أن يرى فيك شباب مغترب من أبناء الوطن أملاً متبقياً، وثقة تامة في طرح قضية أخذت مساحة شاسعة من التفكير، وأن تكون صوتهم المسموع المقروء عبر زاوية متواضعة، قد تُقرأ وقد لا تُقرأ، فذلك أمر متعب منهك، ويجعل القلم خجولاً عجولاً لأجل هذه الثقة، ويحاول الانتقال من مراحل الهجاء والتعبير إلى مراحل الطرح والمناقشة والبيان والتبيين، ليس من السهل بتاتاً أن نتنصل من جزء منا، ونتركه في إطار المعاناة القاسية، ونحن الذين وضعنا في حقيبة سفره لحظة المغادرة شيئاً جميلاً من تضاريس الوطن، وأشياء توازي الجمال السابق من الأحلام والأماني، التي هيأنا أنفسنا لسكبها على أرض وطن معطاء، يحب أبناءه ويمسح دموعهم، ويرفع معنوياتهم، حتى ولو كانت بعيدة هناك، تفصلنا عنها الحدود والدموع. هؤلاء المغادرون الطامحون أرسلناهم ذات وقت سابق إلى الجامعات والكليات، رغبة في أن يكتسبوا مهارات وخبرات وقراءات مختلفة جديدة، وإيماناً منا بأن التعليم الراقي من الأولويات التي وضعت في الخطط الفعلية للمستقبل القادم، ودعناهم ووعدناهم أن اليد باليد، والقلوب مع القلوب لحظة بلحظة، ولن يلغيها وداع المطار أو مرور الأيام، مُنِحوا زيادة 50 في المئة شاملة من يرافقهم للتأقلم مع واقع معيشي يصعد للأعلى، وحتى لا يكون العائق المانع من النجاح مادياً بحتاً، ولم يكن المرافق - إجمالاً - غير زوج أو زوجة صامدين يسندان بعضهما البعض، إن تراجع احدهما، أو طفل صغير يُشْعِر بعظم المسؤولية الكبيرة حين يُسْمَع منه النداء الساحر الموقظ لكل حالات اليأس والإحباط، ولكن تم إيقاف هذه الزيادة لسبب مجهول، وقيل إن التراجع عن الصرف خطأ فردي، بينما لا يزال هذا الخطأ الفردي موجوداً ولم يتنازل بذاته إلى نقطة التصحيح. بنى كثير من الأبناء المغتربين المغادرين خططاً زمنية وترتيبات ضرورية ارتبطت بمستحقات مالية متفاوتة وفق الحسابات المعمولة بعد الزيادة، وفجأة تطلب الأمر إعادة الحسابات بالحد الأدنى من الحاجة والأعلى من الصبر والثبات والصمود. لم يعد يفكر معظم الذين وقعوا ضحية التضاد والتضارب في شمولية الزيادات للمرافقين إلا في مرافقيهم الذين باتوا هماً على هم الغربة والدراسة، رغم الحاجة الماسة لأن يكونوا قريبين من كل الظروف ويخففوا نسبة من الوجع والهم والقلق تعادل نسبة الزيادة وأكثر! هم بحاجة للزيادة حتى يستثمروا المكان والوقت ويقطعوا المسافة الطويلة في وقت وجيز للطموح والقصد نفسهما، ولتورطهم بلا قصد ولضرورة الاستمرار في شقة متواضعة، وسيارة متهالكة، وأثاث بسيط، وأقساط ضرورية، لأنهم انطلقوا من زيادة مطمئنة وأنظمة ولوائح تنص على أن «المبتعث» الذي يعول مرافقين يصرف لزوجته مكافأة «مبتعث» كاملة بلا بدلات، وما نسبته 25 في المئة من مكافأة «المبتعث» الأساسية للأطفال، وهي كافية مقنعة إن تم تطبيقها. المؤكد أنهم لن يتوقفوا عن أهدافهم، ولن يتراجعوا عن مفرداتهم الطموحة الواثقة، للعودة إلى الأب والأم والأخ والأخت والمكان والتراب والمستقبل بما يرفع الرؤوس ويبهج النفوس، ويثبتوا أنهم أهل للمنحة والابتعاث والتقدير والدعم، لكني أقرأ في رسائلهم وخواطرهم التي أتلقاها يوماً بعد يوم ثقة وسروراً كبيرين في أن رسائلهم المتنوعة والمتفرقة ستصل إلى صاحب القلب الكبير خادم الحرمين الشريفين ليُعيد لهم ابتسامتهم التي خطفت من الشفاه بإيقاف الزيادة، ويلغي مأزق التفكير في أكثر من مصدر دخل، ويعالج ألم النظر إلى المرافق أيا كان بالرحمة، وصعوبة العيش في أرض الغربة دونه، لأن المُرَافِق «حَيَاة» وسند! علي القاسمي [email protected]