في السنوات الأخيرة، شهدت الحياة السياسية الفرنسية سلسلة من الكوارث التي فاجأت المراقبين الأجانب. ووقعت الكارثة الأولى في 2002 مع فوز اليمين المتطرف في الدورة الاولى من الانتخابات، وحصول جاك شيراك في الدورة الثانية من هذه الانتخابات على ثمانين في المئة من الأصوات. أما كارثة الطاقم الحاكم الثانية فهي الاستفتاء على معاهدة الدستور الأوروبي. ففي الأشهر التي سبقت الاستفتاء، أجمع المراقبون على أن تصويت الناخبين ب"نعم"مرجح. وخلافاً لتوقعاتهم، صوت معظم الناخبين ب"لا". وبعد صدمة الاستفتاء ومفاجأته، نام الطاقم الحاكم من جديد، واقتنع بأن الاستقرار عاد الى المجتمع. ولكن الكارثة الثالثة، أي حرق السيارات في الضواحي الباريسية، ما لبثت أن وقعت. وأظهرت هذه الكوارث مدى فقدان الطبقة الحاكمة شرعيتها. وتعود الأصوات التي فاز بها لوبان زعيم اليمين المتطرف في الدورة الثانية من انتخابات 2002، الى قلب فرنسا الشعبي القديم. أما ال"لا"على الدستور الأوروبي، فألقت الضوء على جزء من الطبقات الوسطى من موظفي القطاع العام، أي بورجوازيي الدولة. وأبرزت الكارثة الثالثة وضع الشبان المتحدرين من المهاجرين. وعلى رغم مشاركتهم أفكار الأوساط الشعبية الفرنسية الاقتصادية والاجتماعية، يبتعد هؤلاء الشبان عن هذه الأوساط. وتعارض هذه المجموعات الثلاث النظام السياسي والطبقات الحاكمة. ولكن التضامن مفقود بين هذه المجموعات. فعلى سبيل المثال، تغضب الاوساط الشعبية من البطالة وتدني قيمة الرواتب في سوق مشرّعة على التنافس، في حين تفضل البورجوازية الصغيرة بقاء الوضع القائم واستمراره. ولا شك في أن حوادث الشغب الأخيرة تدل الى رفض الشبان تهميشهم. ولم تكن هذه الحوادث لتقع لو لم يستبطن أولاد المهاجرين القيم المؤسسة للمجتمع الفرنسي على غرار الحرية والمساواة. وفي ثورة هؤلاء الشبان توق إلى المساواة. وبدأت قيم ال"لا مساواة"تظهر في المجتمع الفرنسي، على ما يحصل في بلدان العالم المتطور. وعلى خلاف المجتمع الفرنسي، يقبل المجتمع الاميركي هذه القيم. والدليل الى ذلك هو صعود المحافظين الجدد. وتعود مشكلة المجتمع الفرنسي مع هذه القيم الى المساواة التي كانت في صلب بنية العائلات الفلاحية الباريسية منذ القرن السابع عشر. ولم يعرف الفلاحون الانكليز بنية مماثلة، فالمساواة لم تكن في أساس توارث الارض في انكلترا. ولا يشبه وضع الشبان المتحدرين من أصول مغربية وأفريقية وضع نظرائهم الباكستانيين في إنكلترا أو الأكراد في ألمانيا. فنسبة الزواج المختلط من مجمل الزيجات، بلغت 25 في المئة في أوساط الشابات الجزائريات في 1990. وذلك في حين تبلغ النسبة نفسها في اوساط أكراد المانيا واحد في المئة، وأقل من واحد في المئة في اوساط باكستانيي انكلترا. ويعجز العالم الانكلو الساكسوني عن ادراك مدى اختلاط الشبان الفرنسيين اثنياً. وفي ايار مايو 1968 كان الشباب يصفون الشرطة بال"أس أس"الشرطة النازية. ولكن قوى الامن مارست ضبط النفس. وقيل في الاوساط اليسارية في حينها إن الشرطة لم تطلق النار لأنها لم تشأ قتل أولادها. وكذلك فعلت الجمهورية الفرنسية اليوم في الضواحي الفرنسية. فلم تطلق النار على اولادها. وفي الحوادث الاخيرة، نجح الشبان المهمشون في الدخول الى معترك النقاش السياسي الداخلي، وفي تعديل سياسة حكومة يمينية بعد إجبارها على صرف مساعدات لجمعيات الاحياء. إيمانويل تود مؤرخ وعالم سكان، لوموند الفرنسية، 13/11/2004