نشر البنك الدولي تقديرات مالية لثروات 120 دولة من دول العالم ال 191، في دراسة شملت عدداً من الدول العربية، واستثنت الدول المصدرة للنفط، التي تزيد إيراداتها على 20 في المئة من ناتجها المحلي، وقال إن درس الثروات الوطنية وعناصرها المتمثلة في الإنتاج الصناعي والزراعي والمصادر الطبيعية، والأصول غير المنظورة مثل المعرفة والمهارات، يهدف إلى"تعميق فهمنا للعلاقة بين التنمية الاقتصادية والثراء الوطني". وأعرب مسؤول التنمية في المصرف أيان جونسون، عن اعتقاده بأن صانعي القرار في الدول النامية، يواجهون يومياً خيارات صعبة في شأن استغلال الثروات الطبيعية والآثار البيئية لبرامج التنمية. الا أن الأدوات المستخدمة حالياً في عملية صنع القرار، لا تأخذ احتياط الثروات الطبيعية والأصول غير المنظورة في الاعتبار. وشدد على أن نتائج الدراسة الجديدة تتحدى التصورات الشائعة عن كيفية صنع الأمم ثرواتها، وتبرز أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه إدارة المصادر الطبيعية في استراتيجيات التنمية. لكن كبير اقتصاديي البيئة كيرك هاملتون، لفت إلى أن غاية الدراسة ليست تقدير الثروات الوطنية، وانما التنبؤ بالنتائج المحتملة لمسارات التنمية. وشبّه الدول بالأسر، قائلاً:"حين نرى أسرة ما تستنزف حسابها المصرفي، أو تضطر لبيع ممتلكاتها لتأمين احتياجاتها اليومية من الطعام، نستنتج أن هذه الأسرة غير قابلة للاستمرار، وكذلك الحال بالنسبة للأمم، إذ إن البلدان التي يكون صافي معدل ادخارها سلبياً، إنما تعطي مؤشراً على أن ثروتها الوطنية تتعرض للاستنزاف، وأن مسار التنمية الذي تسلكه غير مستمر". وأوضح هاملتون، أن رصد الثروات الوطنية والتغييرات التي تطرأ عليها، لا سيما في الدول النامية، يوفر مؤشرات مفيدة لصوغ سياسات إنمائية سليمة، مشيراً إلى أن الشواهد التي تمخضت عنها الدراسة، تدل على أن الاستثمار في الطاقات الإنتاجية ورأس المال البشري وأساليب إدارة الحكم، جنباً إلى جنب، مع بذل جهود ادخارية مسخرة لتعويض المصادر الطبيعية المستهلكة، يمكن أن يفضي إلى زيادة الرخاء في الدول النامية. ونبهت الدراسة إلى الأهمية الحاسمة التي يلعبها الاستثمار"المربح"في زيادة الرخاء، لكنها لاحظت أن الانتقال من الاعتماد على المصادر الطبيعية، إلى نمو اقتصادي متوازن ودائم، يتطلب كذلك مؤسسات قادرة على إدارة المصادر الطبيعية وتحصيل عوائدها وتحويلها إلى استثمارات مربحة، ملخصة نتائجها بالقول ان"التنمية هي أشبه بعملية إدارة محفظة استثمارية". وبيّنت الدراسة، التي استغرق إعدادها أعواماً، وقدرت حجم الثروة العالمية في العام 2000، مدى اختلاف حظوظ دول العالم ومناطقه من الثروة الوطنية، التي جرى تقويمها بحسب نصيب الفرد، وتضمنت عناصرها: رأس المال الإنتاجي آلات ومنشآت وأراضٍ حضرية، ورأس المال الطبيعي مصادر الطاقة من نفط وغاز وفحم والمصادر المعدنية والغابات والأراضي الزراعية والمراعي والأراضي المحمية، والأصول غير المنظورة وأهمها المعرفة والمهارات والحكم. وجاءت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في المرتبة الوسطى بين مناطق العالم النامي، إذ قدر البنك متوسط نصيب الفرد من ثروتها الوطنية بأكثر من 22 ألف دولار بقليل، مقارنة بپ68 ألفاً في أميركا الجنوبية والكاريبي، و40 ألفاً في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى و12 ألفاً في شرق آسيا والمحيط الهادئ، و11 ألفاً في مجموعة البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء، وسبعة آلاف في جنوب آسيا. وبلغ متوسط المناطق النامية 26 ألفاً والمتوسط العالمي نحو 90 ألفاً. وتعود مرتبة الشرق الأوسط، إلى أن رأس المال الطبيعي شكل أكبر رصيد في ثروته الوطنية 36 في المئة، مقارنة بنسب راوحت بين 12 و27 في المئة في المناطق الأخرى. الا أن نسبة مساهمة الأصول غير المنظورة لم تتعد 44 في المئة، في حين بلغت 72 في المئة في أميركا الجنوبية، و63 في المئة في أفريقيا، و59 في المئة في جنوب آسيا، و52 في المئة في شرقها. لكن تقديرات البنك الدولي للثروة الوطنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لم تأخذ الثروات الساحلية والسمكية في الاعتبار، ولم تشمل سوى ست دول عربية. وانعكس قصور الدراسة على نسب مساهمات المكونات الأساسية لهذه الثروة الوطنية، وكذلك متوسط نصيب الفرد الذي بلغ معدل 37 ألف دولار في تونس، و32 ألفاً في الأردن، و23 ألفاً في المغرب، و22 ألفاً في مصر، و19 ألفاً في الجزائر، و11 ألفاً في سورية. ولاحظ كبير معدي الدراسة، أن أهمية تقديرات الثروة الوطنية تكمن في أن نتائجها تعتبر أرقاماً دينامية قابلة للهبوط والارتفاع، اعتماداً على عاملين حيويين هما النمو السكاني، الذي يلعب دوراً مهماً في تقرير مستوى متوسط نصيب الفرد، و"معدل الادخار الحقيقي"، الذي يحدد استهلاك الدول لثرواتها. وأظهرت الدراسة، التي نشرها المصرف بمناسبة القمة العالمية والاجتماعات السنوية للمؤسسات الدولية، أن الاستهلاك يغلب على الاستثمار في سورية، التي جاء معدل ادخارها الحقيقي سالبا - 19.1 في المئة وبدرجة أقل الجزائر -7.3 في المئة، أما الدول العربية الأخرى التي شملتها تقديرات الثروة الوطنية، فراوحت معدلات ادخارها الإيجابية بين 3.6 في المئة في مصر، و 11.9 في المئة في الأردن، إلى 14.1 في المئة في تونس، و 16.8 في المئة في المغرب.