في البوسنة - الهرسك، النظام التربوي والتعليمي مثلث. ففي كل من الكيانين المنفصلين، الفيديرالية الكرواتية - المسلمة وجمهورية سربسكا، وفي القطاع المحايد برككو، نظام تعليمي مختلف. والفيديرالية، بدورها، تضم عشرة كانتونات. ولكل كانتون نظرته الخاصة. والى هذا فالبوسنة بلد خرج من الحرب من غير غالب ولا مغلوب، وعليه، يلقن تلامذة البوسنة وهم في سن واحدة، مناهج تعليمية متضاربة ومختلفة. وهذا على رغم ان محققين دوليين شطبوا من الكتب المدرسية العبارات التي قد تبدو مهينة ومحقرة في نظر افراد جماعة من الجماعات القومية أو الاثنية البوسنية. ولا يحول هذا دون تباين الكتب حين تتناول مواد تدريس"وطنية"وأول هذه المواد التاريخ. ففي شأن بداية الحرب العالمية الاولى، يقول كتاب التاريخ الذي صاغه الصربي رانكو بيجيتش، ويدرس في حي دوبرينيا الرابع بسراييفو:"لامست رصاصة مسدس أطلقها عضو منظمة ميادا بوسنا بوسنة الفتاة، التلميذ الثانوي غفريلو برانسيب الامير وصي العهد فرانسوا - فرديناند... فاتهمت النمسا - المجر، من غير بينة على علم الحكومة الصربية بالاغتيال، صربيا بالمسؤولية عنه". وعلى بعد مئة متر من هنا، في دوبرينيا الثالث، يدرس التلامذة في كتاب البوسني محمد غانيبيغوفيتش، ويقرأون:"تذرعت النمسا - المجر بهذا الفعل الى قتال صربيا". ويتجنب مؤلفو كتاب التاريخ الكرواتيون الكلام على دور غفريلو برانسيب. ويقتصر الكتاب الكرواتي على اشارة خفية وعابرة الى اغتيال الارشيدوق ولي العهد. وعلى خلاف الاشارة هذه يستفيض مؤلفو الكتاب، في فصل آخر لاحق، في تناول مقاومة الكرواتيين المركزية والهيمنة الصربيتين بين الحربين. ومن جهته يتناول المؤرخ الصربي اغتيال الملك كاراديورد بيفيتش، في 1934 بمرسيليا، فيقول:"خطط للاغتيال قائد الاوستاشي آنتي بافيليتش، وبعض السياسيين المجريين والالمان والايطاليين الذين ساءتهم سياسة الملك المسالمة وصداقة يوغوسلافيا وفرنسا... فكان الملك اولى ضحايا الفاشية". وأما الكتاب الكرواتيون فيختصرون معالجة الحادثة الى القول ان العاهل اغتالته"جالية مهاجرين اوستاشي". وحين التطرق الى الحرب الثانية وحوادثها يقتلنا "نحن"الضحايا آخرون مجرمون، على الدوام. وفيما يعود الى الحرب الاخيرة، وانهيار يوغوسلافيا، ليس في الكتب كلمات او اسماء تسمي سريبرينيتشا حيث ارتكب الصرب مجزرة في البوسنيين المسلمين، وساراييفو حاصرها الصرب اعواماً وقصفوها وهجر أهلها بعضهم بعضاً، وترنوبوليي اجلى الكروات البوسنيين المسلمين منها. وعلى هذا، فقد تعود الوقائع والحقائق التاريخية فتفجر جماجمنا من جديد. عن عامر اوبرادوفيتش، داني البوسنية، 28/9/2005