بات في وسع الفرنسيين ابتداء من يوم أمس الجمعة المساهمة في شركة كهرباء فرنسا"أو دي أف"، لقاء حوالى 28 يورو للسهم الواحد، في اطار عملية التخصيص الجزئية التي أقرتها الحكومة الفرنسية وتقتصر على 15 في المئة من رأس مال الشركة. وعلى رغم ان هذه العملية تبقي الدولة الفرنسية في موقع المساهم الرئيس في الشركة عبر احتفاظها ب 85 في المئة من الأسهم، فإنها تثير ريبة ونقمة الاتحادات النقابية وبعض الأوساط السياسية التي ترى فيها خطوة جديدة نحو تبديد القطاع العام الفرنسي. ويبلغ عدد أسهم"أو دي أف"التي ستطرح للبيع على الأفراد حوالى 286 مليون سهم، على أن يحظى العاملون في الشركة بأسعار ومعاملة تفضيليين، عبر شرائهم السهم بسعر أدنى بنسبة 20 في المئة من السعر الرسمي، والسماح لهم بتسديد ثمن اسهمهم على دفعات. وتمنى المدير العام للشركة ان تجذب عملية التخصيص الجزئية التي يتولاها"ملايين عدة من المساهمين"، علماً أن عملية التخصيص التي شهدتها شركة"غاز فرنسا"قبل مدة جذبت ما يقارب ال 3 ملايين مساهم. وكان وزير الاقتصاد والمال الفرنسي تييري بروتون عبر عن أمله في أن تؤدي عملية التخصيص الجزئية لشركة الكهرباء، الى جمع مبلغ يعادل 7 بلايين يورو. وسبقت عملية التخصيص هذه سلسلة تعهدات أعلنت الشركة انها ستلتزم بها خلال السنوات الخمس المقبلة، وأبرزها الاكتفاء برفع سعر الكهرباء وفقاً لمؤشر التضخم السنوي وعدم تجاوزه. لكن الكثير من المحللين شككوا في هذه التعهدات معتبرين انها قد تتضارب مع مصلحة المساهمين الذين يستثمرون أموالهم في الشركة أملاً بتحقيق عائدات. ومعروف ان سعر الكهرباء في فرنسا يعد الأدنى مقارنة ببقية الدول الأوروبية. وتترافق عملية التخصيص بالطبع مع جملة من المزايدات السياسية، خصوصاً في وسط الحزب الاشتراكي المعارض، الذي أعلن زعيمه فرانسوا هولاند ان ما تشهده"اليكتريسيتي دو فرانس"هو بمثابة خطأ فادح ترتكبه حكومة دومينيك دوفيلبان اليمينية. في المقابل أكد رئيس الوزراء السابق لوران فابيوس ان اسهم"أو دي أف"المعروضة اليوم للبيع"ستؤمم"مجدداً، في حال عودة اليسار الى الحكم عقب الانتخابات الرئاسية المقررة سنة 2007. والواضح ان كلاً من هولاند وفابيوس، نسيا تماماً انه عندما كان اليسار الفرنسي يتولى الحكومة الفرنسية في إطار فترة"التعايش"مع الرئيس اليميني شيراك قبل أربع سنوات، فإنه كان يُعدّ بقوة، لتخصيص جزئي لشركة كهرباء فرنسا. وكانت حجة الحكومة الاشتراكية التي ترأسها في حينه ليونيل جوسبان، ان مثل هذه العملية بالغة الأهمية كونها تزودها بالأدوات اللازمة لتطوير نشاطها الصناعي والدخول في تحالفات دولية، تعزز قدرتها التنافسية. لكن هذه النظرة لتطور الشركة وقدراتها المستقبلية لم تعد قائمة اليوم لدى الاشتراكيين، الذين يفضلون عليها موقفاً شعوبياً يظهرهم في موقع المدافعين عن القطاع العام على رغم إدراكهم التام لعمق مشكلاته التي تهدد استمراريته. وبمعزل عن التجاذبات السياسية، عبرت الاتحادات النقابية عن شجبها لعملية التخصيص، كونها نشأت ونمت على مبدأ الدفاع عن القطاع العام. وفي هذا الاطار سلم اتحاد نقابات"سي جي تي"رئاسة الحكومة الفرنسية، عريضة تحمل تواقيع مئة ألف شخص يطالبون بالابقاء على سيطرة الدولة على مئة في المئة من أسهم"أو دي أف"، باعتبار ان"الكهرباء ليست سلعة وإنما ملكية عامة عالمية". وأشارت العريضة الى انه في ظل الأجواء التي تشير الى اتجاه اسعار الطاقة بأشكالها كافة الى الارتفاع، من الأفضل للكهرباء والغاز، أن يبقيا مسؤولية حصرية للدولة الفرنسية. وهذا ما حمل رئيس الحكومة الفرنسي للتعهد رسمياً أمام البرلمان الفرنسي بأن"أو دي أف"ستبقى مؤسسة عامة، ما يعني انها لن تشهد عمليات تخصيص أخرى تقلص وجود الدولة في رأسمالها. لكن هذا الموقف ليس كافياً من وجهة نظر اتحاد نقابات"القوة العمالية"المعروف بتشدده. فأعلن الأمين العام للاتحاد جان كلود ميلي عن عزم اتحاده اللجوء الى تحركات عدة ضد عملية التخصيص، مثل قطع التيار عمداً عن بعض المناطق والمرافق.