تجتاز الحكومة الفرنسية إحدى أحرج المراحل التي عرفتها في ظل المساعي التي يبذلها رئيسها مانويل فالس لتمرير مشروع تعديل قانون العمل الذي يرفضه اليسار عموماً بما فيه العديد من الوجوه البارزة في الحزب الاشتراكي الحاكم وأيضاً الاتحادات النقابية التي دعا بعضها الى إضراب وتظاهرة احتجاجية في باريس اليوم. واللافت في المشروع الذي أعدته وزيرة العمل مريام القمري انه يحظى بارتياح أرباب العمل والأوساط اليمينية ويرى فيه اليسار (بما في ذلك اليسار المتطرف) وكذلك النقابات انتقاصاً من النموذج الاجتماعي الفرنسي ومن الضمانات التي حظي بها الى الآن العاملون في شتى القطاعات. والبند الأبرز في مشروع القانون الذي يثير حفيظة معارضيه، يتناول تسهيل اجراءات الصرف من قبل أرباب العمل ووضع سقف محدد لقيمة التعويضات التي يمكن ان يحصل عليها المصروفون، وهو ما يرون انه ينال من الحق القائم حول ضمان ديمومة العمل. وأعد المعارضون عريضة مناهضة لمشروع القانون وقعها الى الآن مليون ومئة الف شخص تقريباً، فيما يشهد الوسط الاشتراكي انقساماً حاداً في هذا الشأن. وشكلت الرسالة التي نشرتها الوزيرة الاشتراكية السابقة مارتين اوبري في إحدى الصحف الفرنسية تعبيراً علنياً عن هذا الانقسام. ويسعى فالس من خلال مشاورات بدأها امس مع ممثلي الاتحادات النقابية الى تنفيس الاحتقان حول مشروع التعديل، لكن مشاوراته لم تسفر عن تغيير في موقف بعض الاتحادات النقابية التي تمسكت بسحب المشروع برمته في حين أبدت اتحادات اخرى استعدادها للبحث في امكان تعديله. وفيما اتجهت الأنظار الى عدد المتظاهرين الذين سينزلون اليوم الى الشارع للتعبير عن رفض المشروع الذي تعتبره الحكومة حيوياً لاعادة تحريك سوق العمل بعد ان شملت البطالة حوالى 4 ملايين شخص، فإن الحكومة وأيضاً رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند يقدمان على مجازفة كبيرة بتمسكهما بالمشروع. ويسود بعض الأوساط تخوف من أن يؤدي اتساع رقعة الاحتجاج على تعديل القانون بحيث ينضم اليه الطلاب، مما ينذر بأجواء توتر مماثلة لتلك التي سادت فرنسا خلال الاحتجاج على عقد الوظيفة الأولى الذي اضطر رئيس الحكومة في حينه (اليميني) دومينيك دوفيلبان الى سحبه. في غضون ذلك لم يسفر الاجتماع الذي عقده المكتب الوطني للحزب الاشتراكي وحضرته القمري في رأب الانقسامات الداخلية حول مشروع القانون خصوصاً ان مؤيديه يرون انه يندرج في صميم الاصلاحات التي تعهد بها هولاند في حملته الانتخابية في حين يرى معارضون انه يعبر عن انحراف نحو التوجهات الليبرالية ويمثل هدية إضافية يقدمها هولاند لأرباب العمل. وتأتي هذه الأزمة قبل سنة تقريباً من الانتخابات الرئاسية المقبلة وفي ظل تدهور قياسي في شعبيتي كل من هولاند وفالس اللذين لا يحظيان بأكثر من 17 في المئة من التأييد للاول و23 في المئة للثاني. كما تترافق مع تساؤلات حول ما اذا كان هولاند المعروف بأنه غير ميالٍ للتصلب والمواجهة سيصمد ويمضي قدماً بمشروع تعطيل القانون ام لا. وفي هذا الإطار نشرت صحيفة «لوفيغارو» اليمينية انه اذا تمكن هولاند وفالس من إقرار مشروع القانون فإنهما سيكذبان القول الشائع بأن فرنسا بلد لا يمكن إصلاحه ويلزمان اليمين (المعارض) بدعم مشروع إصلاحي تعذر على المسؤولين اليمينيين تمريره عندما كانوا في سدة الحكم.