كل شيء في استراليا تم توظيفه لخدمة السياحة. أول ما يلفت انتباه زائرها هي الأفكار السياحية المبتكرة، فهي قارة حديثة لا تملك حضارة قديمة او إرثاً تاريخياً، لكنها تمتلك عناصر طبيعية وأراضي وجبالاً ما زالت بكراً، نجح الاستراليون في تحويل الكثير منها إلى مزارات سياحية. جسر سيدني العملاق، الذي شيد عام 1952، أصبح منذ عام 1989 موقعاً سياحياً للتسلق، تشرف عليه شركة متخصصة يعمل فيها 280 موظفاً ومرشداً سياحياً. وقد حولت سيدني جسرها الذي يرتفع 160 متراً إلى مزار سياحي، يدر عوائد سنوية على المدينة نحو 140 مليون دولار. اذ تشاهد من قمته كل أطراف المدينة، خصوصاً مبنى الأوبرا وموانئ المدينة المشهورة. ويتسلق الجسر يومياً ما بين 800 وپ1300 شخص، مقابل رسوم تبدأ من 13 دولاراً استرالياً للصغار. وعلى رغم ارثها التاريخي الذي يزيد على القرن بقليل، فان الحكومة تعنى اشد العناية بالبنايات التي يزيد عمرها على 50 عاماً، وتحول تلك التي تزيد على 100 عام إلى مزارات سياحية، وفنادق ومطاعم ومنتجعات. وعلى بعد أمتار من جسر سيدني، تتواصل الأفكار السياحية المبتكرة. فهذه ساحة من الأرض كانت إلى وقت قريب ورشة حديد لجسر سيدني نفسه، تحولت إلى منتزه باسم لونا بارك، يستقطب الكبار والصغار على مدار العام. لم تتوقف الأفكار السياحية المبتكرة والبسيطة في استراليا، ففكرة الاحواض المائية الكبيرة للاسماك اكواريوم من الأفكار المنتشرة في كل مدن استراليا، ومن البرامج الأساسية في الرحلة إلى سيدني وملبورون وغيرهما. وزيارة أحواض الأسماك هي بمثابة زيارة إلى أعماق البحار، ومعرض ممتلئ بالحياة للأحياء البحرية بكل أنواعها، وكأن الزائر يعيش داخلها، إذ صمم المكان لرؤية الأحياء البحرية من كل زواية. وبعملية حسابية بسيطة جداً، تكتشف ان عدد زوار حوض الأسماك والأحياء البحرية في سيدني يصل إلى 1.4 مليون زائر سنوياً، والى ضعف هذا الرقم في ملبورون، ويصل العدد الإجمالي لزوار أحواض الأسماك في استراليا إلى اكثر من 22 مليون زائر، وبعوائد إجمالية تفوق ال 250 مليون دولار. وزائر سيدني لا تفوته الرحلات البحرية التي تنظمها 20 باخرة سياحية في منطقة ميناء دارلينغ وفي خليج كوكل باي المطل على أغلى منطقة سكنية في استراليا، وانطلاقاً من ميناء كينغ ستريت مع رحلات مؤسسة سيدني شوبوتسي للقوارب، والتي يطلق عليها الاستراليون رحلة العمر. وقبل ان تنتقل إلى حياة جديدة خلال رحلة السياحة إلى استراليا يجب ان تعرف ان استراليا يقطنها 20 مليون نسمة مقابل 150 مليون رأس من الغنم و50 مليون كنغورو، وهو اشهر حيوان في استراليا والتي تتخذ القارة الأسترالية منه شعاراً، وفيها مليونا حيوان كوالا، الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد الكنغورو. ومثلما تنفرد استراليا بان صيفها شتاؤنا وشتاؤنا صيفها، فان لون جبالها ازرق وليس أخضر، وخصوصاً منطقة"بلو ماونتن"التي تكاد تلامس السحاب. وفي رحلة مع"استراليا وايلد استابس"، ستكتشف ان الابتكارات السياحية الأسترالية لا تقف عند حدود معينة، فعلى امتداد الجبال الزرق، ومن مسافة 180 كيلومتراً من سيدني تقع منطقة سينكو وورلد ليليانفلز وهي المعروفة باسم سيني كورد والتي كانت مناجم فحم. ولكن بعد نضوب الفحم حولتها هيئة السياحة إلى مزارات سياحية وحديقة حيوان، تحتوي على"تيليفريك"ينقل السائح من الحديقة إلى وسط المدينة. ومن سيدني وبالطائرة لمدة ساعة ونصف تصل إلى مدينة ملبورون، التي تعد العاصمة التجارية للقارة ولها شأن في السياحة، وتضم اكبر عدد من المهاجرين العرب. ولو كنت مقيماً في هيلتون الحديقة يمكن الانتقال بالمترو أو القطار إلى قلب المدينة وإلى المطاعم العربية اللبنانية مثل"مومو"أو"عبلة"، علما ان نحو نصف مليون لبناني يعيشون في أرجاء استراليا. وعلى الساحل الغربي الجنوبي من ملبورون، تتنوع الحياة السياحية. فعلى مشارفها تنطلق رحلة بقطار البخار القديم - الجديد عبر الغابات، ثم صعوداً إلى قمم الجبال في منطقة بلغراف، التي ما زالت بكراً وتحاكي أفلام طرزان، وبهذا القطار إما ان تواصل الرحلة إلى البحيرات وقمة الجبل، أو تختصرها لتأخذ اتجاهاً آخر في رحلة مع قطار بدأ أولى رحلاته عام 1950. وتحرص ملبورون على توفير نمط السياحة العائلية بشكل خاص للقادمين من الشرق الأوسط والخليج، وهذا ما تجسده كل المشاهد في كل المواقع. ولا يفوت زائر ملبورون زيارة المزارع الممتدة على سفوح الوادي وعلى مد النظر، والتي تحولت إلى جانب الإنتاج الحيواني والزراعي إلى مزارات سياحية، توفر للسائح عرضاً سياحياً متكاملاً لقضاء يوم كامل في المزرعة، ليتعرف عن قرب على كل تفاصيل الحياة في المزرعة في عروض مشوقة وطبيعية. وفي مزرعة قلعة وارووك، تعيش حياة الريف الأسترالية من زراعة الأرض وتربية الأغنام والمواشي وقص الصوف وتصنيفه والتطورات التي حدثت في هذا القطاع. ولن يرضى أطفال العائلات الزائرة إلى ولاية فيكتوريا، إلا بزيارة جزيرة فيليبس، وهي رحلة مستقلة تكفي لزيارة واحدة إلى استراليا، حيث تجسد مجمل الحياة في هذه القارة. ففي هذه الجزيرة يوجد مركز محمية حيوانات الكوالا والوحيد في العالم الذي يضم اندر هذه الأنواع التي تتعدى العشرة. ومن مراكز الكوالا تنتقل، وفي الجزيرة نفسها إلى مركز الترفيه والألعاب والذي يقوم على العمليات الافتراضية، ولكن يبقى الأهم في هذه الجزيرة، بعد غروب الشمس أو شروقها. فمن لم يشاهد"رحلة البطريق"تبقى زيارته ناقصة. فهذه واحدة من أهم المشاهد الجمالية الطبيعية. ففي التوقيت نفسه يومياً صباحاً ومساء، وعلى مدى أيام السنة وتنوع فصولها، يقود طائر من طيور البطريق رفاقه من بين الأشجار والصخور عند الصباح الباكر في اتجاه مياه المحيط الهادئ لبدء رحلة الطعام والحياة. وبعد غروب الشمس تبدأ رحلة العودة من المحيط إلى اليابسة في مشهد عسكري. والرحلة إلى استراليا لم تنته بعد، فمن ملبورون عاصمة فيكتوريا وعلى مسافة 380 كيلومتراً عبر الجبال والوديان تصل إلى قمة منطقة جبل يوللر الثلجية، لتبدأ رحلة لهواة التزلج على الجليد من ست مستويات مختلفة. وهذا النوع من السياحة له استعدادات خاصة، ولا يمكن ان يغامر أحد بها، إلا إذا كان يمتلك قدرات التزلج. وعلى امتداد قمة جبل يوللر، ومنطقة أخرى فقط مماثلة تمتد عشرات الفنادق للنزلاء والتي تتنوع مستوياتها.