اذا استثنينا فيلم ميل غيبسون"آلام المسيح"، يمكننا الافتراض ان فيلم مايكل مور"فهرنهايت 9/11"كان ابرز ظاهرة سينمائية خلال العام 2004. وليس فقط في المعنى الايجابي، لجهة فوزه بالسعفة الذهبية لمهرجان"كان"، ولجهة اقبال الجمهور عليه في شتى انحاء العالم ثم بخاصة لجهة اتخاذ البعض له، وفي مقدمهم مخرجه، سلاحاً في معركة مقدسة ضد الرئيس الاميركي جورج بوش وحربه على العراق، بل ايضاً بالمعنى السلبي، اذ يرى كثر ان هذا الفيلم، وعلى عكس التصورات، ساهم مساهمة اساسية في انجاح بوش. لا في اسقاطه في انتخابات ولايته الثانية. ويستند هؤلاء الى ان الفيلم خلق حالاً استفزازية ضده في اوساط البيض الاميركيين، اذ بالغ في الاستناد الى الاقليات اللونية والعرقية لخوض معركته، مما جعل ملايين البيض يصطفون الى جانب بوش... غير ان هذه حكاية اخرى بالطبع. المهم هنا هو ان"فهرنهايت 9/11"امعن في يقظة الفيلم التسجيلي، ذي البعدين السياسي والاجتماعي، واكسابه شعبية جديدة، ما كانت له من قبل. ومع هذا نعرف ان"فهرنهايت 9/11"ليس اول اعمال مايكل مور، وليس اول عمل تسجيلي ينجح هذا النجاح. اذ قبل عامين كان هناك من مور، ايضاً، فيلمه السابق"بولنغ من اجل كولومباين"، وقبله كانت له سلسلة افلامه التسجيلية الاخرى. ولكن، هذه المرة، تبدو الاوضاع مختلفة، اذ يأتي نجاح فيلم مور الجديد، ضمن اطار توجه عام، تنتمي اليه افلام اخرى، مثل"زد قياسي"الذي يصور فيه مخرجه كيف ان وزنه زاد اكثر من 19 كلغ خلال اسابيع قليلة بسبب تناوله وجبات ماكدونالدز. وهناك افلام عدة اخرى حول حرب العراق وضد سياسة الرئيس بوش تحث على منوال"فهرنهايت". وهناك شرائط عدة امضت في المعركة الاجتماعية مثل فيلم"يوم من دون مكسيكيين"و"القبض على آل فريدمان"... وكلها افلام اميركية ذات اتجاه نضالي واضح، قابلتها في فرنسا وغيرها شرائط اخرى تنمو النمو نفسه. بعضها يستضيء بمسيرة مايكل مور، ولكن منها من يحاول اتباع خطوات فيلم فرنسي حقق قبل سنوات بعنوان"ان تملك وان تكون". ولقد شهدت المهرجانات السينمائية، من"كان"الى"البندقية"الى"القاهرة"مروراً بالاسماعيلية ولوكارنو، اعمالاً عدة من النوع نفسه. وكذلك، في سينمانا العربية تجلت الظاهرة عبر شرائط عدة تسجيلية من ابرزها سلسلة"نساء رائدات"من انتاج المصرية ماريان خوري، وشارك فيها من لبنان مخرجان على الاقل هما جان شمعون وسمير حبشي الاخير قدم فيلماً عن"سيدة القصر"نظيرة جنبلاط. كل هذا النوع السينمائي لم يكن جديداً بالطبع، فهو معروف وحاضر منذ بدايات زمن السينما. الجديد الحقيقي هو، هذه المرة، التفاف الجمهور من حول هذه الافلام واقباله عليها، ما انعكس مشاريع عدة جديدة، من الواضح انها لو نفذت جميعاً، ستكون من ابرز ما يقدمه فن السينما في العام المقبل، ثم في الاعوام التي تليه. واذا كانت السينما التاريخية، وسينما السيرة المرتبطة بها، جعلتا من العام 2004 عام تجديد هائل ولافت في حياة فن السينما، من المؤكد ان السينما التسجيلية وتجدد الاهتمام بها يمكن اعتبارها مفاجأة حقيقية ما يمكن معه التحدث، حقاً، عن انعطاف كبير وأساسي في مسار الفن السابع. يقربه، من ناحية، من التلفزة، ويميزه من ناحية اخرى عنها.