هل يمكن ان يوجد شيء مشترك بين موضوعي اليوم عن فيلم مايكل مور "فهرنهايت 9/11"، وموضوعي أمس عن الحملات على ايران وسورية والمملكة العربية السعودية وغيرها؟ ثمة وجه شبه واحد هو ان الحملات على الفيلم والدول مصدرها المحافظون الجدد، أو اليمين الأميركي. مجلة المحافظين الجدد "ويكلي ستاندارد" التي شنّت حملة على سورية، ثم على الحكومة السعودية، وتحديداً أعضاء الأسرة المالكة، وجدت من المهم ان تهاجم فيلم مور في نقد طويل كتبه هات لاباش الذي هاجم كل صورة في الفيلم من الأسماء في بدايته، والموسيقى المرافقة، وأول لقطة، وحتى اللقطة الأخيرة. وكان لاباش هاجم في آخر تشرين الأول أكتوبر من سنة 2002 فيلم مور الوثائقي الآخر "بولنغ من أجل كولومباين". هناك فيلم قادم يشنّ حملة شخصية على مور عنوانه: "مايكل مور يكره أميركا"، وقد أصدر ديفيد هاردي وجيسون كلارك، وهما خصمان قديمان لمور، كتاباً يقتبس من كتاب سابق لمور عنواناً هو "مايكل مور رجل أبيض غبي". وخلاصة هذا الكتاب ان مور "يساري كاديلاك". وتوجد كذلك صفحات عدة على الانترنت مخصصة لمهاجمة مور. وأعلن المحافظون الأميركيون انهم سينظمون مهرجاناً سينمائياً في تكساس بين 9 و11 أيلول سبتمبر المقبل لأفلام تهاجم مور، وقرأت ان نحو مئة مخرج ومنتج يتنافسون منذ الآن لعرض أفلامهم في مهرجان تكساس. يمكن ان يتهم مور بأشياء كثيرة، ولا أعتقد انه سينفي تهمة السمنة، الا انه قطعاً ليس غبياً. فيلمه الوثائقي "بولنغ من أجل كولومباين" فاز بجائزة أوسكار وحقق أعلى دخل لفيلم وثائقي حتى جاء فيلم "فهرنهايت 9/11" ففاز بجائزة السعفة الذهبية في "كان" وحقق فوراً الرقم القياسي في الدخل لفيلم وثائقي في الولاياتالمتحدة. أما كتابه "رجال بيض أغبياء" فباع مليوني نسخة في الولاياتالمتحدة و600 ألف نسخة في بريطانيا، وكنتُ في مكتبة ووترستون في لندن قبل يومين، ووجدت ان الكتاب لا يزال في المرتبة الخامسة بين أعلى الكتب مبيعاً على رغم انه صدر سنة 2002. ولا أتصور ان كتاب هاردي وكلارك سيبيع واحداً في المئة من كتاب مور، كما لا أعتقد ان اي جائزة يقدمها مهرجان في تكساس ستعادل أوسكار أو السعفة الذهبية، أو ان الفيلم الفائز سيحقق عُشْر ما حققت أفلام مور. طبعاً مور محتال وتسهل مهاجمته، وهو يقدّم نفسه كرجل "صغير" مقابل "الحكومة"، مع انه طويل عريض، ومليونير كبير. وهو يؤيد نقابات العمال الا اذا حاول العمال العاملون معه تشكيل نقابة. وهو "صغير" الى درجة ان يسافر في طائرات خاصة ثم يتحدث عن ثراء الآخرين. فكرة الفيلم "فهرنهايت 9/11" هي ان جورج بوش قاد الولاياتالمتحدة الى حرب لإرضاء نَهَم المصالح الاقتصادية لمجموعة من شركات النفط والسلاح، ترتبط بأعضاء في حكومته، وبأسرته، وبالأسرة المالكة السعودية، وأسرة أسامة بن لادن. هذا ببساطة غير صحيح، وإن كانت شركات استفادت، فالرئيس بوش لم يشن حرباً ليفيدها، أما حديثه عن الأسرة المالكة السعودية، أو أسرة بن لادن، فهو حديث مكرّر، وهناك كتب عن الموضوع، صدرت عن محافظين جدد احترفوا العداء لكل ما هو عربي أو مسلم، ومع ذلك يلتقي مور معهم في اتهامات لا دليل عليها، وهم اعداؤه بقدر ما هم أعداء السعودية. وربما كان هناك شيء من التجني في توقع الدقة التامة من مخرج سينمائي، غير ان مور يقدم عملاً وثائقياً لا فيلم خيال علمي، ثم يخلط انصاف المعلومات والحقائق برأيه قبل ان ينتقل الى اللقطة التالية. وأعتقد شخصياً ان أفلام مور وكتبه تعكس شخصيته فهو غوغائي، ومن نوع صارخ، مثلى عليه ميله الى استعمال حروف كبيرة فجأة وسط الكلام للتشديد على نقطة ما، وهو أسلوب لا يجده القارئ في أي كتاب رصين. لا أعتقد ان الحملة على مور ستنجح، بل ربما زادت التأييد له. واليمين الأميركي اتهم هوليوود دائماً بالليبرالية، وهي تهمة صحيحة، فقد هبّ الى دعم مور أركان هوليوود الكبار مثل ريتشارد غير وميغ ريان وخورين باكال وستيفن سبيلبرغ وليوناردو دي كابريو وصديقته السوبر موديل جيزيل بوندشن، وغوينث بالترو، ومعهم مادونا وجون ماكنرو وكثيرون آخرون. أرى ان الحملة اليمينية على مور وفيلمه ستؤدي الى زيادة الاقبال على الفيلم، وانتظار الفيلم المقبل. وربما وجد مور نفسه في هدنة خلال أسابيع لأن اليمين الأميركي سيشغل نفسه على الأرجح بمعركة مع الممثلين البريطانيين من اليساريين المعروفين، مثل فانيسا ردغريف وكورين ردغريف وباتريك ستيوارت، فقد قرروا ان ينقلوا الى برودواي مسرحية بعنوان: "غوانتانامو" عرضت في لندن وتنتقد مدة اطالة مدة الاعتقال من دون محاكمة وتعذيب السجناء. والمسرحية هذه ستفتتح في نيويورك في 20 آب أغسطس المقبل وتتحوّل معركة اليمين إليها. يبقى ان ننتظر أثر الحملة الفنية في انتخابات الرئاسة المقبلة، وهي قد لا تضر بجورج بوش، الا انها لن تنفعه بالتأكيد.