طلب القاضي بالتاسار غارثون في 24 من الشهر الماضي من مجلس القضاء الاعلى السماح له بمغادرة الغرفة الخامسة من المحكمة الوطنية لمدة تسعة اشهر"للقيام بنشاطات وبحوث تهدف الى تطوير معلوماته القانونية حول مكافحة الارهاب". ورغم ان شخصية هذا القاضي ليست عادية والملفات والقضايا التي يحقق بها"خارقة العادية"ايضاً، أكدت مصادر مجلس القضاء الاعلى انه سيوافق بلا شك على طلب غارثون"بحكم نصوص قانون المجلس". وبعد الموافقة النهائية لهذه الهيئة سيغادر غارثون مركز عمله في الاول من آذار مارس المقبل ويتوجه الى نيويورك حيث سيلتحق بمدرسة الحقوق التابعة لجامعتها نيويورك يونيفرستي سكوول اوف لاو وب"مركز ملك اسبانيا خوان كارلوس الاول"الواقع في المدينة ايضاً لالقاء محاضرات لاجراء"بحوث حول مقارنة طرق مكافحة الارهاب"و"دراسات حول صيغ مواجهة التحديات الجديدة وما تمثله ظاهرة الارهاب بالنسبة الى امن الدول والمجموعة الدولية والمواطنين بشكل عام". والقاضي غارثون معروف بمعارضته للسياسة الاميركية وأساليبها في مكافحة الارهاب، اذ عبر اكثر من مرة عن عدم توافق بعض ممارساتها مع القانون الدولي، وعارض فكرة تسليم اسبانيا خصوصاً واوروبا عموماً معتقلي تنظيم"القاعدة"الى الولاياتالمتحدة. ويبدو انه يريد الاطلاع عن كثب على الآليات الاميركية المتبعة، من الداخل، للتمكن من مقارنتها مع قوانين اوروبا. لكن هذه تبقى الفكرة المعلنة لتخلي غارثون عن"عرشه القضائي ونجوميته"لمدة قصيرة. لكن التوقيت جاء لافتاً، اذ ان محاكمة خلايا"القاعدة"التي فككها غارثون وحقق مع المعتقلين فيها ستبدأ خلال الربيع المقبل، حسبما أكد عندما سألته"الحياة"عن اشاعات حول امكان التحاقه بأحدى جامعات نيويورك. وبعدما نفى نبأ مغادرته اسبانيا"في الوقت الحاضر"، قال انه"انهى عمله"بالنسبة الى خلايا"القاعدة"وان المتهمين"ينتظرون المحاكمة". غياب غارثون عن اسبانيا بعدما انهى ملفات عدة مهمة ومربكة ربما يساهم في استعادته حريته ولو موقتاً". لكن ليس من السهل عليه ان يعيش، مع عائلته،"مصفحاً"مدى حياته و"خائفاً"ممن اصدر قرارات ظنية بحقهم. كما ليس سهلاً عليه ان يكون شاهداً"متفرجاً"فيما يمسك قاض آخر زميله خوان ديل اولمو الذي يحقق باعتداءات قطارات مدريد بأهم ملفات الارهاب في تاريخ اسبانيا. لكن غارثون الذي يرأس مؤسسة خيرية اميركية لاتينية والذي رشحته منظمات السكان الاصليين للقارة الاميركية السنة الماضية لجائزة نوبل للسلام ربما سيعود آخر هذه السنة الى اسبانيا ليبدأ مجدداً حملته من اجل احترام حقوق الانسان وتطبيق القوانين الدولية كما يجب وليس كما تريد الدول الكبرى بأسم مكافحة الارهاب. كان هذا القاضي الاندلسي الذي سيبلغ، خلال هذا العام، الخمسين من عمره التحق بالمحكمة الوطنية عام 1988. وكان اول من بدأ بخنق منظمة"ايتا"الباسكية عن طريق قطع مجال تمويلها. ولاحق المتطرفين الاسلاميين منذ العام 1993 كما فتح ملفات اتهامية كبيرة ومهمة بينها ما كان بحق كبار المسؤولين الاسبان من رئيس الوزراء الى وزراء داخلية ووزراء دولة ومعاونيهم... بتهمة"تنظيم حرب قذرة"ضد منظمة"ايتا"، واتهامات اخرى متعلقة بمكافحة تهريب المخدرات والسلاح على مستوى دولي اضافة الى ملاحقة بعض المسؤولين في انظمة ديكتاتورية سابقة في الشيلي امر باعتقال بينوشيه في لندن والارجنتين امر باعتقال اعضاء من الطغمة العسكرية التي كانت حاكمة في السابق. وبمغادرته اسبانيا يترك غارثون وراءه قرارت ظنية عدة وملفات قضائية بانتظار محاكمة المتهمين فيها بعد الحاقه ضرراً شديداً في بنية خلايا المتطرفين الاسلاميين النائمة واليقظة وفي قاعدة منظمة"ايتا". وقد ساهم في اعطاء الاسبان شعوراً ولو ضئيلاً بارتياح اذ ان ما كان يقلقهم بالامس خصوصاً من هاتين الجهتين اصبح ضعيفاً اليوم.