تزامناً مع نهاية العام 2004 أصدر مجلس الوزراء السعودي، قراراً يسمح باستيراد واستخدام الهاتف المحمول المزود بكاميرا، على أن تضع وزارة الداخلية ضوابط تحد من استخدامه في شكل سلبي، بعدما كانت السلطات السعودية حظرت هذا النوع من الهواتف المحمولة، خوفاً من أن يحدث آثاراً سلبية. ولعل بعض الممارسات كانت سبب المنع، كقضية فتاة"الباندا"التي شغلت الشارع السعودي. وحظيت هذه القضية بمتابعة كبيرة من"جمعية حقوق الإنسان"، ومناقشة واسعة على صفحات الإنترنت، والصحف المحلية والعربية، حين صور ثلاثة شبان فتاةً خليجية غير سعودية في السابعة عشرة من عمرها، في حالة يُعتقد أنها اغتصاب، بواسطة محمول مزود بكاميرا يسمى"الباندا"في السعودية. وانتشرت لقطة الفيديو تلك في شكل واسع عبر البريد الإلكتروني. قضى القرار على السوق السوداء لهذا النوع من الهواتف، التي انتعشت في فترة الحظر بعدما أقبل عليها شبان وفتيات سعوديون في شكل ملحوظ، على رغم محاولة السلطات الحد منها بمصادرتها، أو إتلاف الكاميرا فيها، في تلك الفترة. بين الضرورة والرفاهية "اليوم أستطيع البيع بنفس مطمئنة، لن أخشى الغرامات المالية، أو مداهمة السلطات المحلّ في أي وقت"، يقول علي ياقوت يمني الجنسية الذي يعمل في أحد محلات بيع الهواتف المحمولة. ياقوت يملأ الأماكن المخصصة لعرض دمى الهواتف، بهذا النوع تحديداً، كأنه لا يبيع غير"جوال الكاميرا". يقول:"الشباب يفضلون هذا النوع. باتت الهواتف المحمولة غير المزودة بكاميرا، موضة قديمة، بل وتجارة خاسرة، وكلما أنتجت شركات الهواتف كاميرا تلتقط صوراً نقية وواضحة، كانت أكثر رواجاً بين العملاء". الآباء والأمهات عنصر آخر في القضية، إذ يخشى بعضهم على إحدى بناته أن تتعرض"لانتهاك، فالأمر لا يقف عند حد أن تكون أخلاق الفتاة سيئة، كي تنتشر فضيحتها. فالفتاة السعودية تلبس في الحفلات النسائية، ما لا تستطيع فتاة غيرها في الدول العربية أو حتى بعض الدول غير العربية لبسه من الأزياء، فلا أب أو أخ أو زوج يحاسبها أو يسائلها على ما تلبسه من منطلق أنها تعبر عن حريتها وتلبس ما يبرز جمالها في وسط نسائي بحت"، يقول خالد الهاجري أب لفتاتين ويضيف:"أما اليوم، فسيواجهن مشكلة كبيرة، إذ ستترقب كل واحدة وستتذكر حين تختار رسمة معينة لفستانها أن هناك جوالاً بكاميرا، ربما ينقل صورها للعالم كله". وعلى رغم أن الهاجري يعد المحمول المزود بكاميرا"رفاهية"، فإن عبدالقادر نهار أب لثلاث فتيات يقول:"بناتي يستخدمنه، بل ويبحثن عن أفضل تقنياته، ويطلعنني يومياً على صور جميلة التقطنها. ولا يفوتن توثيق رحلاتنا". ولا يكتفي نهار بتأييد بناته في اقتناء هذا النوع من الهواتف، بل يستخدمه هو نفسه:"قبل عشر سنوات، كانت تمر عليّ بعض المواقف التي لا أستطيع تمالك نفسي فيها، إذ فوّتُّ التقاطها بكاميرا فيديو أو فوتوغرافية، وعلى رغم أنني أحببت التصوير حين كنت شاباً، فإنني أتكاسل في حمل كاميراتي معي أينما ذهبت. جوال الكاميرا ضرورة لا بد منها". استفتاء على الهواء نظرة نهار كانت أبوية بحت، إذ أن بناته"يشعرن بالسعادة حين يلتقطن الصور، أو يبتعن جهازاً مزوداً بتقنيات تصوير حديثة". نوف الودعاني 20 عاماً تتكلم عن نفسها:"لا أستطيع أن أتنازل عن جوال الكاميرا بعد أن اعتدت عليه في شكل ملحوظ، فلا يمر عليّ يوم من دون أن ألتقط صوراً لزميلاتي أو صوراً طبيعية، أو حتى لعائلتي على رغم أن والديّ يذكراني دائماً بألا أحتفظ بالصور في الهاتف، كي لا تنتشر خصوصياتهم في كل مكان، في حال فقدته أو سرق مني". رأي نوف يتوافق مع كثير من الفتيات السعوديات اللواتي لا ينكرن أنهن تضايقن لو صوَر أحدهم خصوصياتهن أو نشرها، و"لكن لا أستطيع الاستغناء عن الكاميرا"، على ما تؤكد نوف. ولعل برنامج"استفتاء على الهواء"الذي يعرض على شاشة"العربية"وراديو"بانوراما"، وكان موضوع حلقة السبت قبل الماضي"حظر الهواتف المحمولة المزودة بكاميرا"، يؤكد وجود مجموعة غير راضية عن قرار رفع الحظر."أن إيجابياته كثيرة، لكن فضحه خصوصياتنا يحتم الإبقاء على قرار حظره"، قال احد المتصلين. لكن هذا الرأي لم يصمد كثيراً في البرنامج إذ جاءت نتيجة التصويت ان 58 في المئة يؤيدون قرار رفع الحظر، فيما 42 في المئة يعارضونه. العودة عن قانون التظليل يوسف باروم 23 عاماً كان له رأي في تلك النسبة:"كثير من الشبان والفتيات يستخدم هذا النوع من الهواتف المحمولة، ولا يهمه التصويت، بل ويعتبر أن الجدل في موضوع كهذا يعتبر نقاشاً في المسلمات، فهذه التقنية ضرورة لا محالة، وسوء استخدامها لا يبرر منعها، لأن كل تقنية قابلة للاستخدام في طريقة خطأ". ويرى أن نسبة مؤيدي قرار رفع الحظر ربما"تفوق ال58 في المئة بكثير". رفع الحظر على استخدام الهواتف المحمولة المزودة بكاميرا، تزامن مع قرار منع"تظليل"السيارات، الذي بدأ تطبيقه رسمياً يوم السبت الماضي، بعدما كان سُمح ب"تظليل"الزجاج الخلفي من السيارات السعودية، كي تتمتع بعض العائلات بالخصوصية. لكن"تظليل السيارات يجذب الشبان السعوديين، من بينهم أنا، أكثر من العائلات، فالسيارة تبدو أجمل بعد تظليلها، خصوصاً إذا ما كان التظليل يتناسق مع لونها"، يقول محمد الحربي 23 عاماً. وهو يخشى من"أن يكون قرار السماح باستخدام جوال الكاميرا، قابلاً للإيقاف في فترة مقبلة، مثلما حصل مع التظليل، الذي مُنع قبل أيام، بعدما ظلل كثير من الشبان والعائلات سياراتهم، بعد قرار سابق سمح بذلك". أما إيمان العوام 25 عاماً فتقول:"لا علاقة بين القرارين، وهناك فارق كبير بين جوال الكاميرا، وتظليل السيارات، على رغم أنني من مؤيدي التظليل وجوال الكاميرا". وتضيف العوام:"لا أرى أن ما حدث مع التظليل سيتكرر مع جوال الكاميرا، وأتمنى أن يتراجعوا عن قرار منع التظليل أيضاً، إذ يشعرنا ذلك بالحرية والخصوصية داخل السيارة. كما أن التقنيات والأدوات كافة، يمكن استخدامها في شكل ايجابي وخطأ، والحل التوعية وليس المنع".