أقل ما يقال عن صوت المطرب المصري محمد ثروت إنه عذب... وأقدم ما يقال عنه إنه أشبه الأصوات المصرية بصوت عبدالحليم حافظ... وأبرز ما يقال عنه إنه الوحيد بين أبناء جيله الذي تبناه الموسيقار محمد عبدالوهاب. وعلى رغم كلّ هذا فإن ثروت غائب منذ سنوات عن الساحة الفنية، باستثناء مشاركات متقطعة في حفلات ترتبط بالمناسبات، سواء الرسمية أو الدينية. عدا ذلك يبدو ثروت معتزلاً حقيقياً. فكيف ولماذا انطفأ نجمه الذي كان مرشّحاً للسطوع؟ شهد منتصف الثمانينات تألّق ثروت وراجت أغانيه الجميلة"ورق الشجر"،"حرام"،"من طول ما بفكّر فيك"،"سألوني بينا ايه؟"، كما شارك في مسلسلات مصرية بينها"الكهف والوهم والحب"... وغنى لمقدمة المسلسل أغنية تناجي مصر:"أحلى ما فيك يا جميلة كونك حرّ الزمن عمرو ما غيّر لونك". لكن، ظهر في المسلسل أن ثروت لن يكون يوماً ممثلاً جيداً على رغم تكرار التجربة لاحقاً، إذ أنقذته في مسلسل"هيّ وغيرها"مع صابرين، المنولوغات والاسكتشات الغنائية العديدة. في السينما شارك ثروت، هدى سلطان وصلاح منصور بطولة فيلم"ابن مين في المجتمع"، في محاولة فاشلة لإستثمار صوت المطرب الجميل. كما نذكر محاولاته الناجحة في الغناء للأطفال وأبرزها أغنية"حبيبة بابا رشا". لكن مسرح الاحتفالات العسكرية والوطنية كان المكان الأمثل لتجلّي موهبة ثروت، فقد تمنّت السلطات المصرية أن يكون ثروت لها كما كان حليم في عهد ناصر، فعهد بتدريبه وادارة موهبته إلى عبدالوهاب وكانت الثمرة الأشهر لتعاونهما الأغنية الوطنية الشهيرة"مصريتنا"، وفي مكان آخر اللازمة الشهيرة"خلتني أقول في عصري، لو ما اتخلقت مصري، كنت أتمنى أبقى مصري أبقى مصري...". في عزّ رواج هذه المقولة أو الشعار. لكن يبدو أن تحوّل ثروت إلى مطرب نشيد قد أضرّه ولم يخدمه، جماهيرياً، نظراً لضيق الجماهير بالحياة السياسية وانسحابهم منها. إثر وفاة عبد الوهاب جرّب ثروت الخيار النقيض وغنّى الأغنية الشبابية الرائجة حينها. لكن أغنيته"هياهه هي هي ...هي دنيا ودايرة بينا، يوم معانا ويوم علينا..."، لم تحقّق نجاحاً يذكر في وجه الأغنية الضاربة لحسام حسني"كل البنات بتحبك كل البنات حلوين"مثلاً. حاول ثروت امساك العصا من الوسط بأغنية"في مدينة من المدن"والتعبير عن مشكلة الشباب المصري المضطر الى السفر لأجل تأمين حياة زوجية. وعلى رغم أن هذه الأغنية نالت اعجاب الكثيرين، فإنها لم تستتبع بمحاولات أخرى. ووجدنا ثروت يؤثر الانسحاب الى عالم الهندسة، وهي مهنته الأساسية، ويترك لهاني شاكر أن يغنّي"من غير ليه"بعد أن كان عبد الوهاب وافق على أن يغنيها مدحت صالح... لكن الأخير تراجع معتذراً بحجة أنه لن يجد بعد غنائها أغنية في المستوى نفسه. أما أسباب عدم اسناد غنائها لثروت، وكان الأقرب منطقياً إلى ذلك المشروع، فغير معروفة، وجلّ ما نعرفه حالة شبه الاعتزال التي اختارها صاحب الصوت العذب والقوي أو أجبر عليها. اليوم إذا ما مرّت بذاكرتنا أغنية جميلة لثروت مثل"علشان مين أزعل منك؟"، أو أغنية"وقع قوام ورق الشجر"، نتساءل عما حلّ بهذا المطرب، وعن مسؤولية محمد ثروت الشخصية في هذا الغياب! أهو لم يحبّ الغناء كفاية، وآثر الاكتفاء برصيد قليل من الأغاني الجميلة، والابتعاد عن المغامرة بصورة جميلة نحفظها له؟