إلى حد ماض غير بعيد، كانت السياسة في بلجيكا تكاد تعتبر نشاطاً ذكورياً خالصاً. لكن الرياح سرعان ما جرت بما تشتهيه أنوثة الأقمار. فالحكومة الفرنكوفونية في بلجيكا تترأسها الآن امرأة، كما أنها تضم غالبية نسائية واضحة. أربع وزيرات مقابل وزيرين في سابقة أوروبية يمكن لفرنكوفونيي بلجيكا أن يفخروا بها. تماماً كما يفخر مغاربة بلجيكا بحكومة أنصفتهم عبر ضمها أول وزيرة بلجيكية من أصل مغربي بعد أكثر من أربعين عاما من الحضور. قبل سنوات، دخلت فتاة ضئيلة بملامح عربية إلى قاعة اجتماع يضم مسؤولين سياسيين لتتفحصها الأعين كما لو كانت آتية من كوكب آخر. سألها أحد البرلمانيين إن كانت ستحضّر لهم القهوة. لكن هذه الشابة كانت المستشارة القانونية لوزير الثقافة الأسبق إيريك توما. وكان اسمها فضيلة لعنان. فضيلة التي عندما جاء والدها المهاجر المغربي إلى بلجيكا في بداية الستينات، لم يكن يفكر سوى بجمع بعض المال قبل العودة إلى بلدته الأمازيغية في منطقة الريف شمال المغرب. لكنه وبعد قرابة أربعين عاماً من الغربة، أنجب خلالها ثلاثة أولاد وأربع بنات كلهم ولدوا وترعرعوا في هذه المملكة الصغيرة المستلقية في جنوب بحر الشمال، أصبحت العودة أمراً شبه مستحيل.مستحيل له طعم الحلم، خصوصاً بعدما تقلدت ابنته فضيلة 37 عاماً منصب وزيرة. كيف نجحت فضيلة لعنان في كسب الرهان؟"لكوني امرأة من أصل مغربي أراد الحزب الاشتراكي الذي أنتمي إليه أن يوجه إشارة سياسية رمزية إلى شريحة مهمة من المواطنين خصوصاً في ظل المشاركة الفاعلة للمناضلين من أصل أجنبي داخله منذ ما يزيد على عشرة أعوام. علاوة على تنامي الكتلة الناخبة من أصل مغاربي خصوصاً في منطقة بروكسيل العاصمة"، تقول فضيلة بتواضع. لكن منصباً كهذا دونه سنوات من العمل والكد."انفتحت على العالم من خلال الجامعة حيث حصلت على إجازة في القانون وتخصصت في القانون العام والإداري. والداي شجعاني كثيراً على الدراسة حتى أفلت من الظروف الصعبة التي عاشاها كمهاجرين. ولكي أوفر المال اللازم من أجل الدراسة، اشتغلت بائعة ونادلة وعاملة تنظيف. كانت تجربة مهمة تعلمت خلالها احترام كل المهن وعرفت فيها قيمة المال". في سن الثامنة عشرة، انفتحت فضيلة على العمل الجمعوي لتنخرط في صفوف جمعية"الشبيبة المغاربية"، كما أنها سارعت إلى طلب الجنسية البلجيكية. هكذا وبمجرد ما أنهت دراستها الجامعية التحقت مباشرة بالنضال السياسي."كنت مقتنعة بأن السياسة وحدها تستطيع تحريك الأشياء". الأشياء التي تحركت فعلاً في شكل لم تخمنه حتى فضيلة لعنان نفسها. ففضيلة امرأة أولاً، ومن أصل مهاجر ثانياً وفي مقتبل حياتها السياسية ثالثاً. كلها نقاط كان يمكن أن تلعب في غير مصلحتها، لكن إصرار فضيلة وإيمانها بقضيتها وإحساسها العالي بالمواطنة جعلتها تحوّل نقاط الضعف إلى عناصر قوة، لتصير أول امرأة من أصول ثقافية عربية إسلامية تنصّب وزيرة للثقافة في بلد غربي ذي ثقافة مسيحية. كما أن بعض الأصوات هنا أيضاً حذرت من خطر تعيين امرأة من أصول عربية إسلامية وزيرة للثقافة. فالثقافة هي التراث والتاريخ. لكن فضيلة تظل هادئة وهي تجيب"أعتقد أن هذا التراث هو تراثي أنا أيضاً. فأنا ولدت في بروكسل وتاريخي موجود هنا". بعد ستة أشهر على تنصيبها، صارت فضيلة لعنان جزءاً من المشهد السياسي في بلجيكا الفرنكوفونية. لكن النساء من أصل عربي يواصلن النظر إليها كإحداهن، أي كمرجع إيجابي في إطار نضالهن من أجل مواطنة كاملة.