لم تسر سفن المرأة الأردنية كما تريد، وإن جاءت رياحها كما تشتهي. فعلى رغم أن المرأة الأردنية تحظى بمستوى تعليمي مميز، وتحصل كذلك على فرص عمل جيدة، فإنها تعاني من العنف في مكان العمل. فقد أظهرت دراسة أعدتها الدكتورة أمل العواودة في أواخر العام الماضي حول العنف ضد المرأة العاملة في الأردن، أنّ أعمال العنف الوظيفي ضد المرأة العاملة في المملكة، تتنوّع بين عنف وظيفي ومجتمعي وجندري. وجاء العنف المجتمعي في المرتبة الأولى بحسب أفراد العينة التي شملتها الدراسة، وبلغت نسبته 46 في المئة. وتناولت الدراسة اتهامين ضد النساء: اتهام المرأة العاملة برفع معدل البطالة في الأردن، وكثرة التغيب والمرض والتعب. وحظيت"التهمة"الأولى بموافقة 66.2 في المئة من العينة، وحصلت"التهمة"الثانية على 71 في المئة من الآراء. طبيعة المجتمع وتعلل الدراسة سبب انتشار العنف المجتمعي في شكل كبير إلى"طبيعة البناء الاجتماعي للمجتمع الأردني الذي أناط العمل خارج المنزل للذكور من دون الإناث، ومنح المرأة المنجبة والعاملة داخل المنزل مكانة عالية ومرتفعة"أكثر من تلك التي تحظى بها المرأة العاملة. وتبعاً لهذا، فإن التغيير الاجتماعي الذي رافقه الكثير من التغيرات في المجتمع الأردني المحافظ، كارتفاع المستوى التعليمي للمرأة ورغبتها في الاستقلال الاقتصادي، أدى إلى جعل العنف المجتمعي الأكثر انتشاراً. وجاء في نتائج الدراسة:"على سبيل المثال، يرى ممارسو هذا النوع من العنف أن خروج المرأة الى العمل ومنافسة الرجل في الوظائف، ساعدا في ارتفاع معدل البطالة في الأردن وحرمان الكثير من الشباب من فرص العمل المتوافرة، غافلين ضرورة توازن البناء الاجتماعي للمجتمع، لئلا يحدث الخلل الذي يأتي على شكل تميز وتمييز وبالتالي عدم العدل والمساواة. وأشارت نتائج الدراسة كذلك إلى أن أكثر أشكال العنف الجندري شيوعاً هو"عدم المساواة بين المرأة والرجل في المناصب الوظيفية وعدم المساواة في الترقية والمكافآت والزيادات السنوية وعدم المساواة في العلاوات العائلية". ويعود السبب إلى النظرة غير المتساوية للمرأة والرجل التي تقضي بأن"عمل المرأة ثانوي لأن الرجل فقط هو المسؤول عن إعالة الأُسرة، كما أن النظرة الى المرأة على أنها غير قادرة على إدارة المناصب العليا ما زالت سائدة ومعمولاً بها". قصص مثيرة وتأتي نتائج هذه الدراسة في وقت تركز فيه وسائل الإعلام على قضية جرائم الشرف التي ما زال الاردن يشهدها. اذ تشير الإحصاءات الرسمية الى وقوع 25 جريمة شرف سنويا، وتشكل جرائم مماثلة 25 في المئة من جرائم القتل التي ترتكب كل عام. وترى المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان والمرأة أن"الكثير من الجرائم لا يتم الإعلان أو الكشف عنها". وطبعاً يبدو التحيز الإعلامي نحو جرائم الشرف طبيعيا في إطار ما تشهده هذه الجرائم من قصص مثيرة في الدرجة الأولى. قد يأتيك خبر يقول إنه في وضح النهار وفي أحد شوارع ضواحي عمان، وقف المارة يشاهدون من دون أن يتمكنوا من القيام بشيء شقيقين يقدمان على تهشيم رأس أختهما بالبندقية حتى الموت"غسلاً للعار"، وذلك بعد أن لاحقاها من منزل زوجها إلى الشارع. قد تكون القصة أكثر مأوسوية فتحتل المساحة الأبرز على الصفحة:"طعن رجل ابنته 25 طعنة قاتلة لأنها أبت أن تخبره أين كانت في فترة غيابها عن بيتها التي دامت ثلاثة أسابيع". وأيضاً يمكن أن تتشابه القصص والنتائج في خبرين عن رجلين قتلا شقيقتهما لأنها كانت تتحدّث مع غرباء، وهكذا. وفيما يستمر التركيز الإعلامي على قصص"مقروءة"كهذه، تعاني المرأة في الأردن من ضغوطات وتحرشات كثيرة لا أحد يوليها الاهتمام اللازم، وبالتالي يعتقد الجميع أنها غير موجودة. فكما أن جرائم الشرف تنال من أرواح نساء بريئات في كثير من الأحيان، فإنها تنال من جرائم ربما أقل دموية تتعرض لها المرأة في الأردن، ولكنها بالتأكيد في حاجة إلى حل.