على رغم أن الأردنيين سئموا سماع آخر أخبار ضحايا جرائم الشرف لفرط اعتيادهم عليها، فإنهم سمعوا أخيراً شيئاً جديداً يضاف إلى قائمة الأخبار المتعلقة بهذا الموضوع... وإن كانت الأخبار آتية هذه المرة من أستراليا، وليس من إحدى القرى الأردنية التي عادة ما تكون مسرحاً لهذا النوع من الجرائم. على بعد آلاف الكيلومترات من المملكة، ألفت كاتبة من أصل أردني تدعى نورما خوري رواية أكدت أنها حقيقية، تتحدث عن قصة صديقتها التي راحت ضحية واحدة من جرائم الشرف التي يزخر بها الشارع الأردني. لكن ما اتضح بعد بيع آلاف النسخ في المكتبات أن القصة ملفقة. نالت الرواية نصيبها من النقد في الصحف المحلية، وتبارى الجميع في فضح زيف الرواية. لكن ما أغفل فعلاً هو الأصل الذي بنيت عليه الرواية. إذ تبدو جرائم الشرف "ماركة أردنية مسجلة" لتكرارها أكثر من مرة كل عام، إضافة إلى عدم اتخاذ إجراء فعلي للحؤول دون مكافحتها. ما لم يتنبه إليه أحد، أن رواية نورما خوري "الحب المحرم" استغلت شيوع جرائم الشرف في الأردن أحسن استغلال، وطرقت باباً لم يطرقه أحد من قبلها، وهو تحويل الحادث الذي اعتاده المواطن الأردني، إلى سلعة تدر مالاً وفيراً. لقصة جريمة الشرف وملابساتها، علاقة وثيقة بالدراما، لم تستغل محلياً. إنها قصص كثيراً ما تكون مملوءة بالقيل والقال، والمحادثات السرية بين "الرجال"، وتعاطف النساء مع الضحية المقبلة. إنها مواد كفيلة بوجود حبكة درامية محكمة، تنتهي عند ذروتها في مشهد القتل الذي لا يمثله شخصان فقط، وإنما مجتمع كامل، ببرودة أعصاب وعلى مرأى من الجميع، هكذا ببساطة ومن دون محاكمة. في الأمر دراما. لكن أحداً لم يعر هذا الجانب اهتماماً. ولم يخطر على بال أحد من قبل أن يحول قصة من قصص جرائم الشرف إلى عمل أدبي، أو إلى أي صيغة أخرى بعيدة من عالم التنديد. هذه المطالبات التي تشبه كثيراً مطالبات المواطنين المتواصلة بخفض أسعار السلع الأساسية بدلاً من التأكد من صلاحيتها للاستخدام البشري، جعلت الجميع يكتفي بالتنديد. أعمته عن البحث عن أسباب العلة، ومحاولة علاج الأساس، ليفاجأ بنورما تستغل هذا محققة مالاً وشهرة لم تكن تحلم بهما. أيضاً، قد لا يعتبر البعض جرائم الشرف نوعاً من العنف ضد المرأة. فهي أكثر من ذلك. هذا طبعاً لا يمنع أن تكون هذه الجرائم محرضاً لأنواع أخرى من العنف، قد لا تكون مباشرة. فمجرد السماع بقصة من قصص جرائم الشرف التي يتناقلها الجميع وكأنها من قصص الموروث الشعبي، يدفع بحرية المرأة إلى الوراء. فغالبية جرائم الشرف مبنية على اعتقادات للفاعل، لا تحتاج بطبيعة الحال إلى إثبات. ف "الشرف" تلطخ، ولا سبيل إلى غسله إلا القتل، ثم الذهاب الى أقرب مركز للشرطة. ربما ليس العنف ضد المرأة في حاجة إلى ما يزيده أو يغطي على ممارسته، لكن هذه الجرائم تفعل هذا بطريقة أو بأخرى. تكون القصص وتواترها في حد ذاتها عنفاً لفظياً على الأقل. إن في هذا عنفاً على حرية المرأة، المنقوصة أصلاً. ربما لذلك لا تحمّل جرائم الشرف أكثر من طاقتها وتعد مساهماً رئيسياً في ازدياد العنف ضد المرأة. فالعنف ضد المرأة ليس مختبئاً تحت غطاء، وإنما هو مكشوف. ربما يكفي جرائم الشرف أنها جرائم شرف. يكفيها أنها لتكرارها صارت حدثاً عادياً، يحتل الصفحة الأخيرة في الصحف، إلى جانب الأخبار الخفيفة.