سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لجنة التحقيق الدولية تعتبر استجواب الخمسة بداية . ميليس لا يستبعد الاستعانة بالأنتربول لتوقيف سوريين . ويحمل هسام مسؤولية إفادته وقد يستدعيه للاستجواب مجدداً
لم يتابع رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري القاضي ديتليف ميليس المؤتمرات الصحافية الثلاثة التي عقدها الشاهد السوري هسام طاهر هسام عبر شاشات التلفزة لكن ما اطلع عليه مكتوباً ومترجماً الى الانكليزية عن تصريحاته، كان كافياً لأن يذكّره، وهو الألماني، بما كانت عليه الحال في بلاده التي كان نصفها يقع ضمن معسكر دول اوروبا الشرقية قبل انهيار المنظومة الاشتراكية. ولا يبدي القاضي الألماني أي شعور بالارتباك ازاء ما قام به الشاهد السوري، ولا يعتقد للحظة ان الاقوال والمعلومات التي ادلى بها امام اللجنة الدولية ووقّع على افادة بها بحرية مطلقة، ضللت التحقيق، بل انه يقلب السحر على الساحر باعتقاده ان ما فعله هسام يمس بلجنة التحقيق السورية وليس باللجنة الدولية. يقلّب ميليس الاوراق المرصوفة فوق بعضها بعضاً على مكتبه، الذي يزينه علم صغير للأمم المتحدة ويضيئه وهج الشمس الذي يتغلغل الى المكتب من نوافذ زجاجية محكمة الإغلاق من دون ستائر، فيسحب بعضاً منها تحمل في طياتها افادة هسام امام لجنة التحقيق الدولية. ومن دون ان يكشف عن تفاصيلها يكتفي باشارات الى مقاطع تبرهن على التناقض التام بين ما قاله للجنة وما يقوله في مؤتمراته الصحافية ولا سيما في ما يتعلق بانتقاده الحاد للسلطات السورية وأسلوب تعاملها مع حقوق الانسان وخوفه الكبير على اشقائه في سورية من دون أي ذكر لخطيبته، لكن هذا التناقض لا يحمل ميليس على الاعتقاد بأن الامر كان مخططاً له مسبقاً، بل يعتبر ان هسام يتحمل مسؤولية الافادة التي أدلى بها وهو سيُسأل عنها امام المحكمة. وشأن هسام هو مثل شأن شهود كثر ادلوا امام لجنة التحقيق الدولية بمعلومات قيمة، وقد بلغ عدد هؤلاء الشهود حتى الآن 500 ولا تزال ابواب الپ"مونتيفردي"، مقر لجنة التحقيق الدولية، مفتوحة امام المزيد منهم، من اجل جمع قطع الاحجية التي لم تكتمل بعد. فالتحقيق، بحسب المشرفين عليه، متواصل في لبنان ولا ينتظر ما ستسفر عنه جلسات الاستماع الى المسؤولين السوريين الخمسة في فيينا، كما انه لن يهتز نتيجة الدعاية السورية البائسة التي تحاول من خلال المؤتمرات الصحافية لهسام ان تطلق رصاصة الرحمة على التحقيق الدولي، حتى ان القاضي ميليس يبدي الكثير من الاستغراب ازاء ما اظهرته لجنة التحقيق السورية من عدم احتراف في التعامل مع الشاهد هسام الذي لم يخضع في سورية الى أي استجواب لمعرفة سبب التناقض في ما يقوله وما أدلى به في افادته الموقعة. المحققون في جرائم الارهاب دائماً لديهم شكوكهم ازاء ما يدلي به الشهود، لكن الذين استمعوا الى هسام لم يشعروا بأنه كذب عليهم، ولا يعتقدون بأن ثمة حاجة الى اعادة تقويم افادات آخرين قدموها الى لجنة التحقيق، يكفي ان كل شاهد يصبح مسؤولاً عن شهادته حين يوقعها. واذا كان الشاهد السوري لم يطلب حماية لجنة التحقيق، التي تعني اجراءات معقدة وكثيرة، ولا يمكن ملاحقته على عقده مؤتمراً صحافياً في بلده كون الدعاية شرعية، فإن الامر لا يلغي احتمال استجوابه مجدداً في وقت لاحق. وتشير مصادر لجنة التحقيق هنا الى ان ثمة فارقاً بين الشاهد هسام وبين الشاهد السوري محمد زهير الصديق الموقوف في فرنسا اذ ان الاخير لم يتراجع عن افادته. لم يحبذ القاضي ميليس في اللقاء المفاجئ الذي جمعه امس مع عدد محدود من الصحافيين في الإعلام المكتوب المحلي والعربي اعطاء قضية الشاهد هسام اكثر مما تستحقه من الوقت المخصص لنا والذي كان ساعة ونصف الساعة وتجاوزه الى ربع ساعة اضافية، بعدما كنا خضعنا لاجراءات تفتيش دقيقة عبر أربع نقاط تفتيش للجيش اللبناني وآخرها لعناصر من الأممالمتحدة طاولت الاحذية والاوراق والاقلام والازرار، فالاستحقاقات امام لجنة التحقيق كثيرة وليس اقلها ما سيجري في العاصمة النمسوية. فالقاضي ميليس يشير بابتسامة الى الارتياح الذي ابدته السلطات النمسوية عندما علمت بعدم مجيئه الى اراضيها، لأن ذلك خفف من قلقها ازاء هم حمايته أمنياً. لكن قراره قد يكون قابلاً للتعديل بحسب التطورات. وإذا كان الاستفسار عن اسماء الذين سيتم استجوابهم وموعد ذلك يعتبر من الاسرار التي تفضل لجنة التحقيق الدولية التكتم عليها، فإن ما تصر على تأكيده هو ان التعاون السوري مع اللجنة غير مشروط ومن تحتاج اللجنة الى استجوابه سيكون حاضراً لمصلحة التحقيق، ولا احد مستبعداً، والمسؤولون الخمسة هم بداية وكل تطور هو رهن التحقيق وبحسب الضرورة. ويفضل ميليس وصف ما حصل للوصول الى مسألة فيينا بأنه مرونة وليس تسوية، واذا كانت السلطات النمسوية لا تملك سلطة توقيف أي مشتبه به من المسؤولين السوريين الخمسة على اراضيها اذا احتاج الامر ذلك، فإن للجنة الدولية التي بدورها لا تملك حق التوقيف، أن تقترح على السلطات القضائية اللبنانية القيام بذلك مثلما فعلت بالنسبة الى الشاهد الصديق في فرنسا وبالنسبة الى الجنرالات الاربعة في لبنان. ويمكن للجنة التحقيق الدولية اقتراح الامر على السلطات السورية لاعتقال مواطنيها على اراضيها، لكن القاضي ميليس لا يسقط امكان الاستعانة بالانتربول الدولي بطلب من السلطات اللبنانية اذا احتاج الامر، لأن لبنان هو المعني الوحيد بالجريمة التي حصلت على اراضيه. ما يستطيع ميليس تأكيده ان 15 كانون الاول ديسمبر المقبل لن يكون موعداً نهائياً لعمل لجنة التحقيق الدولية في لبنان بعد تقديمها تقريرها الى مجلس الامن، فالتحقيق لم ينته والكلام عن وجود ادلة كافية ليس تقويماً قضائياً، فطالما هناك اسئلة وشهود يتم استجوابهم فإن اللجنة ستأخذ وقتاً اضافياً، على ان التمديد يعود الى مجلس الامن الدولي بناء على طلب من الحكومة اللبنانية وتوصية من لجنة التحقيق، فالأمر بحسب ما يعتقد ميليس يعود الى السلطات اللبنانية التي ستحسم مدى حاجتها الى عمل اللجنة التي كانت بدأت عملها بعد اربعة اشهر من وقوع الجريمة. والتمديد لعمل اللجنة لا يعني ان ما انجزته لا يزال يراوح مكانه، بل ان ثمة تقدماً حصل، وهذا ما سيتضمنه التقرير المقبل الذي يحرص ميليس فيه على الحديث عن معنى التعاون غير المشروط لسورية، مسقطاً بذلك أي ضمانات تم التحدث عنها من قبل الآخرين وما تردد عن ضمانات قدمتها روسيا لان ذلك شأنهم. واذ يجزم ميليس بعدم تدخل احد من اللبنانيين في التحقيقات التي تجريها لجنة التحقيق فإنه لا يسقط في المقابل ان التقرير الذي رفعه سابقاً الى مجلس الامن هو تقرير سياسي لأن الجريمة سياسية، لكنه ليس تقريراً مسيساً وضمانته تعدد المحققين الذين شاركوا في اعداده وهم من دول مختلفة. وإذ يعتقد ميليس ان مسألة تحديد نوعية المحكمة التي ستبت في الجريمة هو شأن تقرره الحكومة اللبنانية حتى لا يتهمه احد بأنه يتدخل في هذا الشأن الداخلي، فإن البت بالأمر يفترض اولاً انتهاء التحقيق وتوجيه الاتهام الى المشتبه بهم واختيار نوعية المحكمة، فإذا كانت لبنانية فالأمر يعود الى لبنان لاختيار القضاة واذا كانت محكمة دولية فإن الامر يعود الى المنظمة الدولية، وفي انتظار ذلك فإن السلطات اللبنانية يعود لها وحدها قرار توقيف او اخلاء سبيل موقوفين رهن التحقيق. ويثني ميليس على التحسن الذي طرأ على الوضع الامني في لبنان الذي لم يشهد منذ اكثر من شهرين أي محاولة اغتيال او تفجير، كما يثني على تعاون رئيس الجمهورية اميل لحود مع التحقيق ويعتقد في هذا الاطار ان كل مقابلة مفيدة ولذلك تقوم لجنة التحقيق باجرائها. واذا كان الجزء المتعلق بالاتصالات الخليوية التي رصدتها لجنة التحقيق الدولية قبل حصول جريمة اغتيال الرئيس الحريري وأثناءها يعتبر في نظر لجنة التحقيق مسألة جوهرية، فإن اللجنة وعلى رأسها القاضي ميليس تتابع باهتمام مسألة مقتل شاهد في هذا الملف في حادث سير شمال لبنان، مع اشارتها الى ان مثل هذه الحوادث تحصل لكن لا تلغي اهتمام اللجنة بها. ويحرص القاضي ميليس على تأكيد ان التقرير الذي كان رفعه الى مجلس الامن وحصل لغط حوله بالنسبة الى الاسماء التي وردت به كان تقريراً واحداً متجنباً الخوض في تفاصيل ذلك اللغط. ميليس الذي كان زار مدينة بعلبك الاحد الماضي واستمتع بآثارها وتناول طعام الغداء في وسط بيروت اول من امس، لا يبدو قلقاً على أمنه الشخصي المحصن في قلعة"مونتيفردي". وحين ينظر من نافذة مكتبه الى الغرف الجاهزة التي بنيت حول مكتبه ويستخدمها فريقه للعمل فيها والمنامة، فإنه يظهر تعاطفاً مع قدرة هذا الفريق على تحمل الحياة غير المريحة، ربما لذلك لم يصمد اكثر من ثلاثة ايام في تدوين يومياته في لبنان وترك الامر لزوجته الموجودة مع أولاده في ألمانيا لتتلقف بريده الالكتروني وتنتظر عودته في عيدي الميلاد ورأس السنة المقبلين.