شهدت الأراضي الفلسطينية أمس يوماً حافلاً وطويلاً وهادئاً أنهى"مرحلة انتقالية"امتدت 60 يوماً بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، وأدلى خلاله الناخبون بأصواتهم لاختيار"خليفة"عرفات ورجل"المرحلة المقبلة"، وسط قناعة بأن نتائج الانتخابات ستمنح محمود عباس أبو مازن تفويضاً ليكون الرئيس الذي يساهم في إعادة اطلاق عملية السلام. راجع ص6 و7 ومارس الفلسطينيون حقهم في الانتخاب رغم غياب الشروط الأساسية المطلوبة لاجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات صدقية واستمرار العراقيل الاسرائيلية، وهي أمور انعكست في النسبة المتدنية للتصويت والتي لم تتعد 53 في المئة، ما دفع لجنة الانتخابات المركزية الى تمديد عملية الاقتراع ساعتين فتحت خلالهما مراكز الاقتراع أمام سكان غزة الموجودين في الضفة، كما سمحت للمقيدين في السجل المدني بالاقتراع، في محاولة لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات، لأن بقاءها في حدودها هذه يعني عدم منح شرعية للرئيس الجديد، كما أنه يشكل مؤشراً إلى قوة"حماس"والقوى الأخرى التي قاطعت الانتخابات. وتبدت العراقيل الاسرائيلية في أوضح صورها في مراكز الاقتراع في القدسالشرقية، حيث شكا المقدسيون من عدم توفير غرف سرية أثناء الادلاء بأصواتهم، وأيضاً عدم وجود اسمائهم في السجلات الانتخابية واضطرارهم الى الذهاب الى أكثر من مركز اقتراع للتمكن من التصويت، وهو ما عبر عنه الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر الذي تحدث عن"مشكلات حقيقية"في المراكز الخاضعة للاحتلال في القدس. ويعلق الفلسطينيون آمالاً كبيرة على هذه الانتخابات التي يرون انها تشكل بداية مرحلة جديدة قد تؤدي الى تحسين أوضاعهم السياسية والمعيشية. ويشاركهم هذه الآمال المجتمع الدولي، إذ أعلن وزير الخارجية الاميركي كولن باول أن بلاده مستعدة للعب دور أكبر بعد الانتخابات يشمل دفع"خريطة الطريق"واطلاق أسرى ووقف الاستيطان. كما أعلن المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية خافيير سولانا استعداد الاتحاد الأوروبي للتعاون مع القيادة الجديدة وتقديم مساعدات لها. واليوم في تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً، تنتهي عملية فرز أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في 1777 صندوق اقتراع وبوجود أكثر من 22 ألف مراقب دولي ومحلي وحزبي واكبوا العملية الانتخابية منذ بدايتها، ليعلن الفائز بمنصب رئيس السلطة الفلسطينية من بين سبعة مرشحين. المنافس الحقيقي الوحيد لمحمود عباس أبو مازن، مرشح حركة"فتح"، الحزب الحاكم والتنظيم الأوسع انتشاراً في الشارع الفلسطيني، هو مرشح"المبادرة الوطنية الديموقراطية"الدكتور مصطفى البرغوثي الذي أشار استطلاع أخير أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية الى انه سيحصد ما نسبته 22 في المئة من أصوات الناخبين، في مقابل 65 في المئة ل"أبو مازن". وكانت اسرائيل حاضرة بقوة قبل ساعات من اغلاق صناديق الاقتراع، وذلك من خلال الرسائل التي بعثتها الى"أبو مازن"عبر مسؤولين دوليين، حسب مصادر صحافية اسرائيلية، وهددت فيها ب"محو مناطق واسعة من قطاع غزة عن وجه الأرض"ان لم يتوقف العنف، معتبرة ان الرئيس المنتخب أبو مازن مسؤول بدءاً من الاثنين واليوم الذي يليه عن الوضع في المناطق الفلسطينية. كما أعلنت مصادر قريبة من رئيس الحكومة ارييل شارون انه مستعد للقاء الرئيس المقبل للسلطة"في أقرب فرصة"من أجل"البحث في القضايا الأمنية فقط وسبل القضاء على الارهاب وتنفيذ استحقاقات المرحلة الاولى من خريطة الطريق الدولية". ورأى المراقبون ان التسريبات الاسرائيلية، وما واكبها من تشديد لاجراءات الحصار والعزل الاسرائيلية للتجمعات السكنية الفلسطينية،"بروفة"للسياسة التي تنوي اسرائيل التعامل بها مع الرئيس الفلسطيني الجديد، لا تختلف في جوهرها عن تلك التي اتبعتها مع عرفات الذي وصفته ب"العقبة"أمام أي تحرك سياسي جدي لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي. ويبدو ان نتائج الانتخابات"محسومة سلفاً"لمصلحة مرشح"فتح"الذي استمد من"ارث عرفات ونهجه"قوة في الشارع الفلسطيني وأوساط الفتحاويين. ولعل المؤشر الأوضح الى نتائج هذه الانتخابات، يتبدى في ان الفلسطينيين يرون في"أبو مازن رجل المرحلة"، إضافة الى قرار التيار الاسلامي الذي تمثله"حركة المقاومة الاسلامية"حماس مقاطعة الانتخابات. وبانتظار نتائج الانتخابات التشريعية التي اعلن رئيس السلطة الموقت روحي فتوح أنها ستجري في 16 تموز يوليو المقبل من أجل استكمال المرحلة السياسية الانتقالية التي بدأت بعد رحيل الرئيس الفلسطيني، وربما أيضاً من أجل ارسال اشارات مطمئنة لحركة"حماس"بجدية موقف السلطة والحزب الحاكم في اشراكها في الحياة السياسية الفلسطينية، تبقى المسائل المفصلية في المشهد السياسي الفلسطيني الداخلي غير محسومة، وان حسمت نتائج الانتخابات الرئاسية شخصية"رجل المرحلة".