فيما أكدت "هيئة العلماء المسلمين" أن حياة الصحافيين الفرنسيين كريستيان شينو وجورج مالبرونو "لم تعد في خطر"، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية إرجاء زيارة الرئيس العراقي غازي الياور الى باريس والتي كانت مقررة من السادس الى السابع من الشهر الجاري، نتيجة الظروف الناجمة عن خطف الصحافيين الفرنسيين اللذين تترقب باريس اطلاقهما. وقالت الناطقة المساعدة باسم وزارة الخارجية الفرنسية سيسيل بوزو دي بورغو، إن الزيارة التي كان يفترض ان يقوم بها الياور الى باريس في إطار جولة أوروبية أرجئت "في ضوء الظروف الراهنة"، في اشارة الى أزمة الرهائن. وذكرت أن قرار التأجيل اتخذ بالتوافق بين باريسوبغداد، رافضاً الكشف عما اذا كانت الانتقادات الصادرة عن رئيس الوزراء العراقي أياد علاوي على فرنسا ورئيسها جاك شيراك على صلة بهذا القرار. ويأتي هذا القرار غداة نشر الصحيفة التي يملكها علاوي تعليقاً يحمل بشدة على شيراك ويحمله جزءاً من المسؤولية عن اختطاف شينو ومالبرونو، بسبب "معارضته كل القرارات الدولية الهادفة الى إحلال الأمن في العراق"، علماً أن باريس صوتت على القرارات الأخيرة لمجلس الأمن في شأن العراق. ولم ترغب بوزو دي بورغو في الإدلاء بأي رد فعل على هذا الموقف، مكتفية بالتذكير بما صرحت به تعليقاً على الكلام الذي كان علاوي أدلى به الى صحيفة "لوموند" الفرنسية. وكانت بوزو دي بورغو ذكرت في حينه أن انتقاد علاوي لحياد فرنسا وعدم مشاركتها في الحرب على العراق، يجعل منها هدفاً للارهابيين، "غير مقبول" كونه ينطوي على تشكيك في الجهود التي تبذلها فرنسا في مجال مكافحة الإرهاب. ويوحي قرار إرجاء زيارة الياور الى باريس بوجود نوع من التوتر بينها وبين بغداد، خصوصاً أن السلطات العراقية غير مرتاحة الى المفاوضات والإتصالات التي يجريها الجانب الفرنسي من أجل الإفراج عن الرهينتين بمعزل عنها. الى ذلك، ما زالت باريس تترقب بحذر الإفراج عن الصحافيين المحتجزين في العراق منذ 20 آب اغسطس الماضي وسط تصريحات متفائلة باقتراب "النهاية السعيدة" لهذه الأزمة. فلازم وزير الخارجية ميشال بارنييه يرافقه ثلاثة من أعضاء المجلس الفرنسي للديانة المسلمة عمان، ما يشير الى نيته البقاء في المنطقة حتى استقبال الرهينتين، فيما لم توزع وزارة الخارجية البرنامج العادي لنشاطاته خلال الأسبوع المقبل، لارتباط هذا البرنامج بحل الأزمة الراهنة. وكان محمد بيشاري أحد الأعضاء الثلاثة في وفد المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية أعلن أن الوفد الذي توجه الى بغداد أول من أمس "ينتظر" في عمان الافراج عن الرهينتين الفرنسيين. وأوضح أن "الجمعة هو يوم مهم جداً بالنسبة الى المسلمين. انه يوم الصلاة، والجالية المسلمة والأمة تنتظر هذا الافراج". وتردد وفقاً لمصادر فرنسية أن أمر الافراج عن شينو ومالبرونو بات محسوماً، لكن الإجراءات المتعلقة بكيفية تسليمهما الى الأجهزة الفرنسية، تسير ببطء فاق التوقع. وأعرب عميد مسجد باريس دليل بوبكر الذي يترأس مجلس الديانة المسلمة عن أمله الكبير بأن يُفرج عن الصحافيين وسائقهما السوري محمد الجندي، مشيراً الى أنه يواصل صلواته وترقبه طالما لم يسمع إعلاناً رسمياً باطلاقهما. وقال بوبكر إن "مبادئ الاسلام لا يمكن ان تنتهك باسم الإسلام" وان الابتزاز باسم الدين "أمر شائن". يذكر ان "الجيش الإسلامي في العراق" الذي أعلن مسؤوليته عن احتجاز الصحافيين كان طالب السلطات الفرنسية بالعدول عن قانون حظر المظاهر الدينية ومن بينها الحجاب في المدارس العامة. وعلى صعيد ردود الفعل الداخلية، قال مدير الاخبار في اذاعة فرنسا الدولية حيث يعمل شينو، آلان مينارغ ان الأمل بإطلاق الصحافيين ما زال قائماً، لكنه لفت الى خطورة وضعهما. وأضاف أنه في مثل هذه الحالات تكون هناك اتصالات متعددة وأحداثاً تطرأ تعكر الخطط المحددة، موضحاً أن الموكب الذي يضم الخاطفين والرهائن لا يمكنه ان يتوقف لأسباب أمنية واذا توقف فإنه يتحول الى هدف. وتابع انه ينبغي على الاشخاص الذين سيرافقون الرهائن الى المطار ان يتحققوا من أن طريقهم خالية من أي حاجز للشرطة أو الجيش العراقي، لأنهم في مثل هذه الحالة قد يُطلقون النار. ورأى مينارغ ان شينو ومالبرونو لم يُخطفا لأنهما فرنسيان، و"انما لأسباب عادية وليست سياسية وانه منذ أول كانون الثاني يناير الماضي خُطف اكثر من 1500 عراقي من جانب مجموعات طالبت بفدية لاطلاقهم. فالخطف أصبح أشبه بصناعة في العراق". في غضون ذلك، أعلن الشيخ عبدالسلام الكبيسي مسؤول في "هيئة علماء المسلمين" في بغداد أن حياة الرهينتين الفرنسيين "لم تعد في خطر" وأن "الافراج عنهما بات مسألة وقت". وجاء ذلك فيما أفاد بيان وُقع باسم خاطفي الصحافيين الفرنسيين ونشره موقع اسلامي على الانترنت أن الخاطفين سيعلنون قريباً قرارهم في شأن مصيرهما، ونفى أن يكونوا فوضوا جماعة أخرى بالتحدث باسمهم. وذكر البيان أن اللجنة القانونية ل"الجيش الاسلامي في العراق" ستُعلن قريباً قرارها، مضيفاً أنه لم يفوض أي جماعة او شخص للتفاوض أو التحدث بالانابة عنه. كما جاء في بيان ثان باسم الخاطفين أنهم ينتظرون رداً من زعيم تنظيم "القاعدة" اسامة بن لادن ليقرروا ذبحهما أو اطلاقهما لقاء فدية. في العراق، أعلن الشيخ هشام الدليمي الذي يشارك في مفاوضات بهدف الإفراج عن الصحافيين الفرنسيين أن هناك "مؤشرات ممتازة" الى أن الرجلين سيطلقان قريباً. وأضاف أن الفريق المفاوض توصل الى نتائج ايجابية ملموسة في ما يتعلق باطلاق الصحافيين وأن المؤشرات جيدة بل ممتازة، مشيراً الى أن الصحافيين "في صحة جيدة". وكان الدليمي شارك في مفاوضات أدت الى اطلاق ستة أجانب ومصري احتجزتهم مجموعة اسلامية رهائن في الفلوجة. في الوقت ذاته، دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الى الافراج عن الصحافيين الفرنسيين في العراق لأن فرنسا "لا تحتل العراق" حتى وان كانت دولة غير صديقة للمسلمين وذلك خلال خطبة القاها ناطق باسمه في الكوفة وسط. وقال الشيخ جابر الخفاجي الناطق باسم الصدر أمام 500 شخص تجمعوا في مسجد الكوفة: "صحيح أن فرنسا ليست دولة صديقة للمسلمين وللاسلام، لكنها لا تشارك في احتلال العراق. لهذا السبب أدعو الى الافراج عن الصحافيين الفرنسيين، لكنني لا اقوم بذلك في سبيل فرنسا". في موازاة ذلك، تلقى ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي جاك شيراك أعرب فيه عن "شكره وتقديره" للموقف السعودي من قضية خطف الصحافيين الفرنسيين. في روما، صرح رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني بأن حكومته تساهم في الجهود التي تبذل لضمان الافراج عن الصحافيين، مضيفاً أن "الجانب الفرنسي استفاد كذلك من مساعدتنا. آمل بأن تكون مساهمتنا مهمة جداً". في هذا الاطار، استنكر شيخ الازهر محمد سيد طنطاوى بشدة عمليات خطف الرهائن التى ترتكب باسم الاسلام فى عدد من الدول ووصف مرتكبيها بأنهم "مجرمون ولا علاقة لهم بالاسلام". ونقلت وكالة "أنباء الشرق الاوسط" عن شيخ الازهر قوله فى خطبة الجمعة ان "شريعة الاسلام بريئة من هذه العمليات"، مؤكداً ان "الاسلام دين السماحة والعدل والوفاء بالعهود وحسن معاملة الاسرى وان كل الأديان السماوية بريئة من مثل هذه الاعمال".