لم أشارك في الرحلة المقررة إلى البحيرة، لأنه كان يتعين عليّ أن أصحو مبكراً، فلم أفعل. كانت لانا موسى وجهت ليلة أمس دعوة لي على الهاتف لتناول طعام الغداء في بيتها، ثم اعتذرتْ عن الدعوة في الصباح بسبب انشغال طارئ لديها! سأكتشف لاحقاً أن هذا طبع ثابت يلازمها، توجه الدعوات ولا تلتزم التنفيذ، وهي لا تفعل ذلك عن قصد، وإنما طبيعتها المتسرعة وبراءتها الزائدة تمليان عليها مثل هذا السلوك. كانت كانغ قد ترجمت إلى اللغة الكورية واحدة من قصصي القصيرة جداً عنوانها "رحلة" وقذفت بها في الصباح من تحت باب غرفتي. قرعت باب غرفتها في الثانية عشرة ظهراً، وجدتها ما زالت هناك، اتفقت معها على الذهاب إلى معرض الفنون في تمام الساعة الثانية. ذهبنا إلى المعرض مشياً على الأقدام، كان الطقس صيفياً حاراً. انهمكنا في التفرج على الأعمال الفنية في المعرض: ثمة لوحات فنية لرسامين أميركيين ولرسامين من بلدان أخرى، وثمة تماثيل من إفريقيا وأميركا اللاتينية. أعجبتني رسوم شاعر ورسام هو: والدين كين، فيها تجريد محبب، وقد رسمها في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، ثم يبدو أنه انتحر، إذ لم يعثر أحد على جثته. غادرنا المبنى الكبير حوالى الساعة الخامسة، وكنا متعبين من كثرة التجوال في صالات المعرض. استلقيت على الحشائش الخضر في الفسحة المحاذية للنهر طلباً لشيء من الراحة، واكتفت كانغ بالجلوس إلى جواري، كانت هادئة ينم كلامها عن طيبة مفرطة، تحدثنا في موضوعات شتى، ثم انطلقنا إلى مكتبة بريري لايتس. تركتُ كانغ تبحث عن كتاب للرحلات الداخلية في مدن أميركا، وذهبتُ إلى محطة الحافلات التي لا تبعد كثيراً عن المقهى. حجزت مقعداً للسفر إلى شيكاغو في الساعة الحادية عشرة من صباح الأحد، ثم عدت إلى المكتبة. وجدت كانغ ما زالت تبحث عن كتب، لكنها لم تجد ما كانت تبحث عنه كما يبدو. شربنا الشاي في المقهى التابع للمكتبة، ثم ذهبنا مسرعين إلى قاعة السينما التابعة للجامعة. شاهدنا فيلماً يتحدث عن طفل يتصرف باعتباره بنتاً، ما أثار أعصاب أمه وأبيه، لكنهما في النهاية تركاه يتصرف على النحو الذي يريده. الفيلم ممتع وفيه مواقف مضحكة، وهو مثير للأسى، بسبب أن المصير الإنساني هش ومربك! غادرنا قاعة السينما مشياً على الأقدام. الحافلات لا تعمل هذا اليوم في اتجاه السكن الجامعي بسبب العطلة. تهنا في الطريق، ثم اهتدينا إليها بعد استفسارات. الشوارع هنا متشابهة، وكذلك البيوت. ودعت كانغ عند باب غرفتها، لكنها طلبت مني الورقة التي ترجمتْ فيها قصتي، كي تعمل عليها أثناء غيابي. جاءت معي إلى غرفتي، قرأت لي القصة باللغة الكورية. شعرتُ بأن إيقاع الكلمات ممتع، وبدت كما لو أنها تقرأ شعراً. أخذت كانغ الورقة وغادرت غرفتي بعد دقائق. تناولتُ طعام العشاء. تمددت على السرير أتابع برنامجاً يبثه التلفزيون عن التعذيب في بلدان العالم الثالث، غفوت أثناء ذلك. نهضت من غفوتي حوالى الواحدة بعد منتصف الليل. هيأت حقيبتي للسفر، ثم حاولت النوم من جديد.