وصلت كاتبة من كوريا الجنوبية، وهي امرأة نحيلة دائمة الحركة مثل فراشة. إنها في الثامنة والعشرين من عمرها، تبادلنا حديثاً عابراً ثم افترقنا. ذهبتُ إلى اجتماع الساعة الواحدة والنصف الذي عقد في الطابق الذي نقيم فيه. لم يدم الاجتماع سوى بضع دقائق، هكذا هي اجتماعاتنا: بضع دقائق ثم ينتهي كل شيء، وهكذا هي معظم اللقاءات كذلك! تمّ تذكيرنا بالندوات التي سنشارك فيها في الأسابيع المقبلة. ... عدت من الاجتماع إلى غرفتي. وضعت أوراقي فيها ثم خرجت، تمشيت في الشارع المحاذي للسكن الجامعي مدة خمس عشرة دقيقة. ما زالت الأرض المكسوة بالعشب الأخضر مرنخة بمياه الأمطار التي هطلت يوم أمس وهذا الصباح بغزارة وكثافة. أعددت لنفسي طعام الغداء: قطعاً من اللحم المشوي فوق نار الفرن. احترق اللحم في المقلاة، وانتشر دخان كثيف في المطبخ وغرفة النوم، ما أدى إلى انطلاق صفير حاد من جهاز إنذار ضد الحريق مثبت في سقف الغرفة. لم يتوقف الصفير إلا بعد أن فتحت النافذة وسمحت للدخان بالتسرب إلى الخارج. شعرت بخجل من ضعف خبرتي في الطبخ. غادرت الغرفة بعد الغداء. وجدت الكاتب الفيتنامي "هاي" ينتظر الحافلة أمام السكن الجامعي، وثمة مجموعة من البنات يجلسن على درجات المبنى، بالبنطلونات القصيرة أكثر مما ينبغي، يجلسن للتدخين والثرثرة والضحك. جاءت الحافلة ومضينا معاً، أنا وهاي، إلى مبنى كلية الفلسفة التابع لجامعة أيوا، لحضور ورشة الترجمة المقرر عقدها في الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر". كانت الكاتبة الكورية "كانغ هان" سبقتنا إلى هناك، وثمة عدد من الكتاب الضيوف والكاتبات وبعض الطلاب والطالبات. لم يستغرق اللقاء سوى بضع دقائق، حيث تم التعارف بيننا، ثم انتهى كل شيء. اقترحتُ على "كانغ هان" أن تذهب معي إلى مكتبة بريري لايتس لشراء بعض الكتب. وافقت على الذهاب معي وكانت وديعة ومهذبة. ذهبنا مشياً على الأقدام إلى المكتبة، لكننا سرنا في الاتجاه الخاطئ، سألنا بعض المواطنين عن المكتبة، فأرشدونا بكل أريحية إلى الطريق الصحيح. اشتريت بعض الكتب من بينها رواية "هوية" لميلان كونديرا. جلسنا بعض الوقت في المقهى التابع للمكتبة، كانغ قليلة الكلام ولها ابتسامة خافتة ترتسم على وجهها باعتدال. غادرنا المقهى واتجهنا إلى موقف الحافلة، صعدنا إليها وعدنا إلى السكن الجامعي، وكان الوقت مساء. في المساء التالي ذهبنا إلى حفل استقبال أقامه في بيته البروفيسور أونغار، المشرف على برنامج الكتابة الدولي، وهو أميركي من أصول تشيكية، له بيت فخم في ضواحي المدينة، محاط بأشجار وبأرض شاسعة خضراء. جاء عدد كبير من المدعوين والمدعوات ... جاءت طالبة سورية اسمها لانا موسى، تقيم في أيوا وتواصل دراساتها العليا في جامعتها. لانا لا تعرف سوى القليل من مفردات لغتها الأم، وهي تضحك ببراءة لأقل سبب. اقترحت عليها الأستاذة المشرفة على ورشة الترجمة أن تعمل معي في مجال ترجمة قصصي إلى اللغة الانكليزية، وافقت لانا ووافقت أنا بطبيعة الحال، مع أنني بقيت متشككاً في مدى قدرتها على القيام بهذه المهمة. عدنا من بيت البروفيسور حوالى الساعة الحادية عشرة ليلاً. كنت أشعر بشيء من الراحة وهدوء البال، ولا أسمع شيئاً من أخبار الوطن إلا ما تجود به محطات التلفزة الأميركية، وهو قليل جداً. قرأت بضع صفحات في رواية كونديرا ثم نمت.