غادرنا مبنى الجامعة، أنا وكانغ وهاي ومينت. كنا مثل طلبة مجتهدين، انطلقنا نمشي في الشوارع مغتبطين بعد الانتهاء من الندوة التي تحدثت فيها عن تجربتي في كتابة القصة القصيرة. دعوت الجميع لتناول القهوة والشاي في جافا هاوس على حسابي. جاء بعد ذلك أندرياش وآيتي. بقينا في المقهى مدة ساعة تقريباً، تبادلنا أحاديث شتى وكنا فرحين، وحينما همّ الجميع بالانصراف، أخبرتهم بأنني سأبقى في المقهى لقراءة الصحف. تصفحت بعض الصحف بحثاً عن أخبار الوطن، لم أجد فيها شيئاً يذكر، ثمة تجاهل مقصود كما يبدو لما يحدث في فلسطين من ممارسات تعسفية إسرائيلية جاءت أنستاسيا الروسية وزميلتها أولغا، سلمتا عليّ، تبادلنا بعض كلمات مازحة، ثم ذهبتا للجلوس في الفسحة المحاذية للرصيف. مكان مخصص للمدخنين، حيث التدخين ممنوع داخل المقهى. غادرت المقهى إلى المكتبة العامة. بحثت في قسم الأفلام عن أي فيلم لإنغمار بيرغمان، وجدت فيلم "الشخص". شاهدته وأعجبت به. عدت إلى غرفتي، تناولت طعام العشاء: خضروات وفواكه، شربت كأساً من البابونج. قرأت ثلاث قصص قصيرة جداً باللغة الانكليزية، ليس ثمة إدهاش في هذه القصص! ذهبت إلى المركز الدولي في أيوا لحضور حفل استقبال للكتاب الضيوف. مشيت وقتاً كافياً في شوارع المدينة قبل الوصول إلى المركز، كنت أشعر أن المدينة تقع خارجي تماماً، ولا بد من بذل جهود مكثفة لخلق نوع من الصلة الحميمة معها. نحن هنا منذ ثلاثة أسابيع! وهي مدة قصيرة كما يبدو قام بعض الزملاء بارتجال نصوص نثرية لا يزيد الواحد منها عن مئة كلمة، لم أشارك في هذه التجربة لأنني شعرت بالتهيب الذي تمليه علي حسابات شخصية كثيرة، في بعض الأحيان، أقرّع نفسي بسبب هذا التهيب الذي يلازمني دوماً! لا أسبح في ماء النهر، لا أرقص في حلبة الرقص، ولا أرتجل نصاً نثرياً كذلك! تناولنا طعاماً خفيفاً، خطر ببالي أن أقتني نسخاً من كراسات تتضمن نصوصاً لا يزيد الواحد منها عن مئة كلمة، كتبها طلاب وطالبات وعدد آخر من هواة الكتابة المكثفة. وجدت بيتر نازاريث واقفاً هناك كما لو أنه يحرس الكراسات. سألته: هل يمكنني اقتناء بعض الكراسات؟ قال: بالطبع، ولكن عليك أن تدفع ثمنها. قلت: سأدفع. قال موضحاً موقفه: أنا آسف، ولكنني مضطر لقول ذلك. قلت: لا عليك، ثم استثمر هذا الحوار لكي يروي لي نكتة، قال: جاء شخص إلى فندق، فوجد بالباب كلباً. قال لموظف الاستقبال: إنني أخشى الكلاب. قال الموظف: لا تخف، كلبي لا يعض الناس. دخل الرجل بعد أن بدد الموظف مخاوفه، غير أن الكلب هجم عليه وعضه! قال للموظف: قلتَ لي إنه لا يعض الناس. قال الموظف مستدركاً: نعم، ولكنْ هذا ليس كلبي! ضحكنا معاً. هذا البروفيسور مهذب وذكي، وهو أوغندي من أصل هندي، والآن هو مواطن أميركا، وهو مثقف واسع الاطلاع.