على رغم استكمال البرلمان التركي أمس التصديق على قانون العقوبات الجديد، قبل الموعد المحدد لمعاودة النشاط البرلماني بأربعة أيام، وتخليه عن مشروع البند الذي يجرّم الزنا نزولاً عند الضغوط الأوروبية، لا يبدو أن هناك إرادة حقيقية لضم تركيا الى الاتحاد الأوروبي لأسباب ثقافية وعقائدية أساساً. لا شك في أن القانون الجديد الذي يحل محل قانون صدر في 1926 وعلق العمل به منذ العام 1996، يسد فراغاً كبيراً ويشمل مجالات أبعد من نقطة الزنا التي أثيرت في شأنها زوبعة شاملة في أوروبا، وداخل تركيا نفسها. لكنه يبدو مجرد عتلة لوضع عقبات أمام ضم تركيا الى الاتحاد، وغطاء للمعارضة الشديدة التي تبديها غالبية القوى داخل البرلمان الأوروبي لمثل تلك الخطوة. وعلى رغم حماسة بعض الحكومات الأوروبية لدمج تركيا في الاتحاد بشروط، وتوقع اصدار المفوض الأوروبي المكلف ملف توسيع عضوية الاتحاد غونتر فرهاغن، تقريراً ايجابياً في السادس من تشرين الأول أكتوبر المقبل، ليس أكيداً أن رؤساء الدول والحكومات سيقرون في قمتهم المقررة في السابع عشر من كانون الأول ديسمبر، تحديد تاريخ لبدء مفاوضات مع أنقرة في شأن انضمامها الى الاتحاد. ويمكن القول ان وجود ملف توسيع العضوية بين أيدي الألماني فرهاغن، منح تركيا فرصة مواتية لتجاوز الأزمة التي أثيرت في العواصم الأوروبية، على خلفية قانون تجريم الزنا، والتي أخمدتها زيارة أردوغان الأخيرة لبروكسيل. فموقف فرهاغن متأثر بموقف المستشار غيرهارد شرودر الداعم لخطوة ضم تركيا الى الاتحاد، انطلاقاً من العلاقات التاريخية بين البلدين، ووجود جالية تركية كبيرة في ألمانيا. لكن استمرار شرودر في الحكم بعد الانتخابات المقبلة غير أكيد، فيما تشن زعيمة الحزب الديموقراطي المسيحي المعارض انجيلا ميركل حملة عنيفة على تلك الخطوة، ووجهت رسالة الى رؤساء الحكومات وزعماء الأحزاب المحافظة في بلدان الاتحاد لحضهم على"التضامن"من أجل حجب العضوية عن تركيا والاكتفاء بمنحها وضع"الشريك المميز". كذلك، تعارض الحكومة النمسوية جهاراً ضم تركيا، فيما يتساءل رئيس الحكومة الفرنسية رافاران عن مدى موافقة الأتراك على منظومة حقوق الانسان الكونية، واضعاً الاصبع على ما يعتبره الغربيون هوة ثقافية بين حضارتين. وبدت هذه الرؤية واضحة في تحليل المفوض الأوروبي السابق فريتز بولكشتاين الذي توقع تشرذم الاتحاد الأوروبي إذا قبل دمج سبعين مليون مسلم داخله، معبراً بذلك عن فكرة يتبناها تيار واسع بين النخب. في المقابل يشجع فريق أوروبي آخر مشروع الضم، شرط اعتماد الأتراك المعايير الأوروبية بشكل كامل، معتقداً بأن انضمام دولة"مستقرة"و"ديموقراطية"ذات غالبية مسلمة الى الاتحاد سيلقى أصداء ايجابية في العالم الاسلامي ويشكل جسراً بين الحضارتين المسيحية والاسلامية. مع ذلك يميل ثمانون في المئة من أعضاء البرلمان الأوروبي الى الرأي الأول، ما يدل إلى أنه الموقف الطاغي لدى الرأي العام. وليس أكيداً أن رؤساء الدول سيوافقون في قمتهم على تحديد تاريخ لبدء المفاوضات مع تركيا، وحتى لو فعلوا ليس ثابتاً أن العقبات لن تعطل مسار المفاوضات في منتصف الطريق، بسبب الخلافات على مسائل جوهرية، خصوصاً ادارة الملف الكردي. وأياً يكن سقف التنازلات التي"سيبتلعها"الأتراك في مقابل الانضمام الى الاتحاد لن يصل الى المس بثوابت يعتبرونها أركاناً للدولة التركية الموحدة. كذلك لا يخفي الأوروبيون قلقهم من كون حدودهم ستكون محاذية للعراق وايران، في حال انضمت تركيا الى الاتحاد، وهو عنصر معرقل لتقدم أي مفاوضات. قصارى القول أن فكرة دمج سبعين مليون مسلم في الاتحاد تزعج النخب الأوروبية عموماً، يمينية ويسارية، لأن المسألة تطرح من وجهة نظرها، مباشرة أو مداورة، في مستوى التباعد الثقافي بين منظومتين حضاريتين. وهذا تصور لا يصمد في عصر التفاعل بين الحضارات التي تتشابك كل يوم أكثر بفضل وسائل الاتصال الحديثة والاطلاع المتبادل على خصوبة الثقافات الأخرى، ما يؤدي الى التخلي عن كثير من الأحكام المسبقة ومصادر العداء والتنابذ.