على الحزب الوطني الحاكم في مصر أن يبذل الكثير من الجهود لتنفيذ سياساته وبرامجه التي أعلنت في مؤتمره السنوي الذي اختتم أول من أمس، فالسنة المقبلة حاسمة بكل المعايير، إذ ستشهد الاستحقاق الرئاسي ثم الانتخابات البرلمانية. القراءة الدقيقة والأوراق التي طرحت في المؤتمر والنقاش الذي جرى في جلساته يظهر بوضوح أن أمين لجنة السياسات جمال مبارك أحدث تقدماً مذهلاً في الشكل والمضمون، إذ أدار بعض الجلسات وتحدث في مؤتمر صحافي بتمكن وحنكة كما تبين أنه بالفعل وراء الاصلاحات التي طرحها الحزب حتى وإن لم ترض قوى المعارض. وأن مجموعة الشباب التي تلتف حوله رسخت الاعتقاد بوجود فريق إصلاحي يقوده مبارك الابن يحمل افكاراً ويسعى الى تطبيقها من دون "صدمات دراماتيكية"، كان واضحاً أن الحرس القديم في الحزب يحاول التشبث بمواقعه وهم يرون الدنيا تتغير والاتجاه ليس في مصلحتهم. وبدا الرئيس حسني مبارك في كلمته الختامية متوازنا لا يدعم تياراً ضد آخر يقود الامور بعقلانية ولا ينظر الى موقع ابنه لكن ذلك لا ينفي أن آخرين يعملون كفريق مع جمال مبارك. وأكد الجدل حول مطالب المعارضة بتعديل الدستور أن الحزب سيرشح مبارك لولاية رئاسية خامسة في تشرين الاول اكتوبر المقبل، استناداً الى الدستور. والعبارة التي قالها جمال مبارك في مؤتمره الصحافي عن اتفاق الحزب مع قوى المعارضة على رفض مسألة التوريث فهمت على أن الاب لن يهيئ الأجواء لتسليم السلطة الى نجله، لكن ذلك لا يعني ابداً اغفال حق مبارك الابن في خوض انتخابات حرة متنافساً مع آخرين على مقعد الرئاسة بعد الولاية الخامسة لمبارك الاب وهو أمر يمنح الأمل لقوى المعارضة في تغيير الدستور واستبدال نظام الانتخابات بين اكثر من مرشح بنظام الاستفتاء المعمول به حالياً في المستقبل. غالبية الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي اعلنت في المؤتمر ذات طابع فني جمارك وضرائب ولجنة الاشراف على الانتخابات...، وكلام مبارك عن المعارضة جاء هادئاً خصوصاً عندما نبههم الى أن الاصلاح مطلب جماعي لكن مع مراعاة مصالح الوطن. واللافت ان كل التصريحات التي صدرت عن قادة الحزب لم تحو ابداً رفضاً قاطعاً لمسألة تعديل الدستور، وانما كانت تركز على أن الوقت لم يحن بعد لذلك الامر وان الاولوية حالياً لبرنامج الاصلاح الذي أعلنه الحزب بالفعل. رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف قدم نفسه في شكل جيد للجماهير وعندما تحدث عن برنامج حكومته ظهر انه يحمل افكاراً "برغماتية" اعلنها بوضوح وظهر أن الحزب يدعمه بآليات لتنفيذ برنامجه. ولم يحظ النقاش في بعض لجان المؤتمر بتغطية إعلامية جيدة رغم النقاش الساخن الذي جرى فيها وبينها "لجنة مصر والعالم" التي ادارها الدكتور مصطفى الفقي وشهدت نقاشاً حاداً حول الامن القومي المصري. كان جمال مبارك واقعياً عندما اعلن أن برنامج الاصلاح خضع لدراسات ونقاشات طويلة وتحقق ما وعد به الحزب ما يضع الحزب في المرحلة المقبلة على المحك لينفذ ما وعد به ويطرح افكاراً أخرى للمستقبل، خصوصاً ما يتعلق منها بقضية الاصلاح السياسي التي من المؤكد أن قوى المعارضة ستلعب على وترها قبل وأثناء الاستحقاق الرئاسي والانتخابات البرلمانية.