مجدداً عاد الحديث في مصر عن تعديل حكومي وشيك بعدما توقف الكلام عن تعيين نائب للرئيس حسني مبارك. ويبدو أن إشاعات كتلك ستستمر حتى نهاية الانتخابات البرلمانية المقررة قبل نهاية العام الحالي لتهدأ فترة ثم تعود من جديد ليحسم الأمر في تموز (يوليو) من العام المقبل وهو موعد الإعلان عن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية. جرت العادة أن تتم التغييرات الوزارية في مصر عقب المؤتمر السنوي للحزب الوطني الحاكم، وهو يحل عادة في أيلول (سبتمبر) من كل سنة، أو بعد الانتخابات التشريعية كإجراء تقليدي حتى لو خرج من الحكومة مجرد وزير واحد واستبدل بآخر. عموماً جاء ظهور الرئيس حسني مبارك متعافياً بعد العملية الجراحية التي أجراها لإزالة المرارة واستقباله عدداً من الزعماء العرب على مدى الأيام الماضية وترؤسه اجتماعاً وزارياً خصص لمناقشة أمور داخلية ليطيح بالإشاعات عن قرب تعيين نائب للرئيس تسند إليه بعض المهمات التي تحول الحالة الصحية للرئيس دون القيام بها، إذ بدا مبارك في صحة جيدة، متخطياً مرحلة الاستشفاء والنقاهة، وتزامن ذلك مع إعلان الأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف أن مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية سيعلن بعد انتهاء انتخابات مجلس الشعب وليس قبلها، وأن ملف الانتخابات الرئاسية لن يفتح إلا في موعده. كان واضحاً أن الشريف يرد على تساؤلات تدور في الأوساط السياسية المصرية حول مستقبل مصر والانتخابات الرئاسية في ظل حراك سياسي شديد تجاوز بكثير مسألة البرلمان وانتخاباته وركز على قضية الرئاسة. استند بعضهم في توقع إقدام مبارك على تغيير الحكومة إلى أنه كان استبدل رئيس الحكومة السابق الدكتور عاطف عبيد عام 2004 عقب عودته من ألمانيا بعدما أجرى جراحة في ظهره، وكأن تغيير الحكومات في مصر مرتبط بصحة الرئيس أو بالجراحات التي قد يجريها. صحيح أن حكومة الدكتور نظيف تعرضت لانتقادات حادة سواء من جانب النخب السياسية أو قوى المعارضة في آن إلا أن المصريين أدركوا أن مبارك لا يعتمد فقط على نقد المسؤولين كي يغيرهم، كما أن المواءمة السياسية وحال الحراك الذي يموج به المجتمع المصري والتفسيرات الخاطئة التي قد تصدر في حال إجراء تعديل حكومي، كلها أمور تجعل من التعديل الوزاري احتمالاً بعيداً. وتبدو مساحة الجدل في ازدياد وتوسعها أكثر المنافسة بين الصحف والفضائيات التي وجدت في الموضوع مادة جيدة قابلة للتطوير و «التصوير» خصوصاً مع ارتفاع وتيرة نشاط قوى المعارضة غير الحزبية في الشارع الذي صار مزدحماً ما بين المحتجين على تدني أوضاع الموظفين أو العمال أو العاطلين أو المطالبين بإصلاح سياسي أو المروجين لمرشح بعينه للانتخابات الرئاسية. هل يحل تعيين نائب للرئيس أو تغيير الحكومة المعضلة السياسية في مصر؟ لا يرى رموز الحزب الوطني أن في البلاد معضلة سياسية أصلاً، وصفوت الشريف عبر عن ذلك حين أشار إلى أن مواد الدستور تكفل انتقالاً سلمياً ودستورياً للسلطة. لكن على الجانب الآخر ترى قوى المعارضة بمختلف أطيافها أن البلد امام معضلة كبرى وأن الأوان آن للتغيير وأن الاستقرار الذي يتحدث عنه الحزب الوطني ويحرص عليه ليس إلا ركوداً وترهلاً. في كل الأحوال فالمؤكد أن مصر مقبلة على فترة تحول مهمة سواء قرر الرئيس مبارك ترشيح نفسه لفترة رئاسة جديدة أو رشح «الوطني» جمال مبارك للمقعد الرئاسي أو طرح الحزب أحد أعضاء هيئته العليا لخوض غمار التنافس الرئاسي. في الحالات الثلاث سيكون هناك تغيير جديد يتمثل في رد فعل القوى الأخرى على اسم مرشح «الوطني» وبرنامجه ونيَّاته للمستقبل.