يشكل المغرب العربي حلماً للكثير من الفرنسيين لطبيعته الجميلة ومناخه، فيما تشكل فرنسا حلماً بالنسبة الى المغاربة، لا سيما الشباب منهم، لأسباب مختلفة. فنحو فرنسا يتوجه 60 في المئة من الطلاب المغاربة الذين يدرسون في الخارج. الحلم الفرنسي، كيف كان وماذا يصبح بعد تحوله إلى واقع؟ ما هي نظرة هؤلاء الشباب "الشرقيين" إلى الحياة الغربية والعلاقات فيها؟ وكيف يعيشون حريتهم بعيداً من رقابة الأهل والمجتمع؟ كان مروان يعتقد أنه لا توجد في الغرب أية مشاكل، وأن العرب الذين يقطنون فرنسا مندمجون في المجتمع ومتفاهمون مع الفرنسيين. لكن الحقيقة كانت مختلفة: "فوجئت بوجود مشاكل اجتماعية متعددة، وبالنظرة الدونية والوضع السيئ لإخوتي العرب". "أما بدر فلم يفاجأ بأشياء مختلفة بعد إقامته. في المغرب كان يتابع الصحف والقنوات الفرنسية. لكنه دهش لقلة معلومات الغربيين عن العرب: "نظرتهم عن المغرب تنحصر مثلاً بالصحراء والجمال! وعندما نقول إننا نعيش بطريقة تقارب نمط العيش الغربي، يفاجأون. فهم يظنون أن العرب لا يزالون على النهج القديم وكما يرون في الأفلام!". وتفتقد ليلى في الغرب العلاقات الوطيدة بين الأشخاص، والاجتماعات العائلية في الأعياد والاحتفالات: "اعتقدت أن الغرب يمثل الحرية والحضارة. ولكن ما لم أكن أعرفه، هو أن أوروبا تمثل كذلك فقدان القيم الأصيلة. وهو الفارق بين الغرب والشرق". وزكريا الذي ولد في فرنسا وعاش فيها حتى السابعة قبل أن يعود إلى المغرب، يرى الأمور بطريقة مختلفة بعد أن جاء ليعيش مرة أخرى وقد كبر وتغيرت أفكاره: "كنت أظن أن الغرب لا يعرف الشرق، وأنه مركز ثقافة وحضارة مهم، وأن الكثير من الغربيين لا يحبون العرب كثيراً. ما استنتجته بعد وصولي، هو أن الغرب لا يعرف جيداً الوضع في الشرق. ويبدو هذا واضحاً من تحليله القضية الفلسطينية أو العراقية أو مختلف القضايا الأخرى في العالم العربي. أما حضارة الغرب فهذا شيء لا يمكن النقاش فيه على رغم وجود المشاكل الاجتماعية والتفكك الأسري الذي قد يهدد حضارة أوروبا والغرب عامة. أما مسألة أن الغرب لا يحب كثيراً الشرق، فلهذا شقان: الأول أن المواطن الغربي بسيط وأخلاقي وهو لا يحب الشرق نتيجة ظروف سياسية معينة، والثاني ان الشرقي لا يعرف أن يستدرج الغربي اليه. العرب لا يسعون إلى التعريف بأنفسهم بطريقة جيدة سواء من خلال تصرفاتهم في الدول الأوروبية بصفة عامة، أو من خلال ما حدث من أعمال إرهابية". تعيش نبيلة في فاس، وهي أصغر من الدار البيضاء. ومجتمعها منغلق أكثر، كما تقول وتضيف: "ثمة نوع من المراقبة المستمرة لتصرفات الفتيات بخاصة. ذهاب الفتاة إلى المقهى مع صديقاتها مثلاً، ينظر إليه نظرة سلبية. المجتمع الفاسي، يتعلق كثيراً بمظاهر السلوك ويريد أن يعرف النيات التي تحركها. في فرنسا، لا أحد يسألك لماذا تخرج ومع من وماذا تفعل؟". عند عودتها في العطلة إلى المغرب، أحست نبيلة أكثر "بهذا الوجود الضاغط وهذه النظرات التي تحكم عليك". ونبيلة تتمنى أن ينفتح العالم العربي على الآخرين "من دون التخلي عن أفكارنا وقيمنا"، وأن يتم القبول بمناقشة القضايا الاجتماعية التي لم يفسح لها المجال لتتطور: "أقصد قضية المرأة والفوارق بينها وبين الرجل. يجب فتح المجال أكثر للمرأة في كل النواحي لأنها ثروة حقيقية، ويجب أن تصل إلى المساواة في الحقوق مع الرجل، ما سيمكّن العالم العربي من الاندفاع نحو الأمام". وتشير نبيلة إلى ايجابية التغيير في قوانين الأسرة الذي حصل في المغرب حديثاً. وفيما يعتبر بدر أن الحرية التي يتمتع بها في فرنسا "اقتصادية" إذ لم تكن تواجهه في الأصل مشكلة الخروج في المغرب لأنه يعيش في "أسرة منفتحة"، فإن مروان يتذوق الحرية في فرنسا وهو الذي لم يكن يخرج في المغرب إلى المقاهي: "الناس في فاس يراقبون تحركات الشباب أيضاً. هنا، تعرفت على الحرية. فأنا أخرج وأحقق رغباتي ولا أحد يسأل! وعندما تتكلم مع فتاة لا تعرفها لا ينظر إليك نظرة سلبية. أنا سعيد بذلك". ويجد سلمان في حريته المالية "عاملاً سلبياً". أما بالنسبة إلى الحرية في فرنسا فلم يجد اختلافاً كبيراً "ربما فقط في التعامل مع الآخرين ولا سيما الفتيات، مع بعض التحفظات!" ويعتقد أن "ثمة نفاقاً تناقض" في تصرفاته. فعلى رغم أنه يجد أن العلاقات ايجابية في فرنسا، يفضل الفتيات المغربيات على الغربيات. صبيان وبنات... ويؤكد زكريا أن "العلاقات في أوروبا تندثر بسرعة لأن لا أسس لها، وعلاقة الحب خاضعة للطبيعة الإنسانية ولا يمكننا التعميم، لكن المحيط الاجتماعي قد يجعل من هذه العلاقة في أوروبا أكثر هشاشة منها في العالم العربي". ويرى أن النظرة إلى الفتاة الأوروبية على أنها الأكثر تحرراً "مبالغ فيها بعض الأحيان وترتبط بتقاليد رجعية". والإنسان برأيه، "لا بد من أن يشعر بالسعادة لتوافر الحرية هنا، ولكن لو كنا في مكان الآباء فقد لا نقبلها، ونكون ممتعضين أو أقل ابتهاجاً بها! إنما حتى ذلك الحين، نحن سعداء بها!". وتؤيده نبيلة بأنه "لا يجب التعميم، فكل يتصرف بحسب شخصيته في معظم المجتمعات". وتعيد السهولة في العلاقات إلى "وجود الحرية الكبيرة في الغرب" وبالتالي ينظر إلى الفتاة على أنها "سهلة أكثر". ويوافق بدر على ذلك مضيفاً: "البدء في علاقة مع فتاة غربية أسهل. فهي لا تفكر في آراء الآخرين، والأسرة والأخ الكبير كما يحصل مع الفتاة العربية". ويجد مروان الغربية "أكثر تفتحاً ولا تلاقي صعوبة في الكلام". وهذا يعجبه كما يسعد سلمان: "كفتى أحب هذا الوضع وسعيد به! ولكن لو كنت أباً لإحدى البنات الغربيات فقد أكون أقل سعادة! ويتمنى لو كانت الضغوط على الفتى أقل في العالم العربي: ستكون عندها حال الفتيان العرب في الغرب أفضل وأقل نفاقاً. ويستنتج: "ربما هذه العقدة في العلاقة بين الجنسين في البلاد العربية هي التي تدعو الفتيان العرب إلى التمتع بالحرية هنا". بين الإعجاب والتطبيق... يعتقد زكريا أن العرب والشباب منهم خاصة، "يعانون انفصاماً في الشخصية". ويرد هذا إلى "الهوة السحيقة الموجودة بين ما هو مطبق هنا وهناك". ولتقليل ذلك يقترح "تقريب المسافات بين الشرق والغرب. ووضع خط أحمر لا يمكن تعديه من قيمنا الأساسية التي تجعل المواطن العربي لا يغالي في التشدد في بلده ولا يغالي في الحرية هنا". وهو سيطبق الحرية في بلده "أكثر مما كانت عليه في زمن آبائنا، ولكنها لن تصل إلى ما هي عليه هنا". لم تقرر نبيلة بعد العودة الى فاس لأن الحرية شيء ثمين وأساسي بالنسبة لها: "عندما أفكر بأنني سأعود إلى فاس، وستطبق علي تلك القيود التي لا أتفق معها فهذا يمثل عائقاً". وتشاركها ليلى العودة "بشرط تطور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية". أما سلمان فقد قرر العودة إلى المغرب بعد إكمال دراسته: "أريد تطبيق كل ما رأيته من إيجابيات في الحضارة الفرنسية، وترسيخه في ذهن إخواني وأبنائي. وسأقوم ما بوسعي للتغيير فربما تتطور البلدان العربية لو رجع كل الذين أتوا للدراسة في الغرب". ويوافقه الرأي مروان الذي يريد تطوير بلده "لتكون نظرة الأوروبيين للعرب جيدة ولكي لا يرونا كأناس متخلفين بل كرجال المستقبل".