واجهت الصناعة المحلية في العراق تحديات عدة خلال فترة ما بعد الحرب، أدت إلى اعلان غالبية اصحاب المعامل في القطاع الخاص اغلاق معاملهم حتى اشعار آخر نتيجة عوامل عدة كان من بينها البضائع المستوردة التي غزت الأسواق العراقية بعد الحرب، اذ كانت تعرض هذه البضائع بأسعار مخفضة مقارنة بمثيلاتها المحلية بسبب تخفيض الرسوم الجمركية والضرائب المفروضة على استيرادها. وكانت عمليات السلب والنهب التي طاولت غالبية هذه المعامل، بالاضافة إلى قدم المكائن والآليات المستخدمة فيها وعدم قدرة اصحابها على استبدالها بأخرى حديثة، مع انعدام المواد الاولية الجيدة، كل هذه العوامل زادت من مشاكل المنتوج ورداءة نوعيته وادت إلى انحسار ثقة المستهلك العراقي بالصناعة المحلية وجعلته يتجه نحو المستورد على رغم رداءة السلع. وهناك مشكلة اخرى تواجه الاوساط الصناعية في العراق وهي"الغش الصناعي"،اذ انتشرت سلع وبضائع مخالفة في صناعتها للقواعد المعتمدة، ما ينقص من خواصها وفوائدها. وقال مراقبون اقتصاديون ان ظاهرة الغش الصناعي بدأت بالظهور في العراق منذ تسعينات القرن الماضي، اذ عمد بعض اصحاب المعامل، سيما غير الحكومية، لتحقيق ارباح اكثر، ثم بدأ الأمر يتسع بعد الحرب الأخيرة وغياب الرقابة الحكومية تماماً، اذ عملت بعض الجهات على تخريب الاقتصاد العراقي بتصدير مواد خارجة عن المواصفات القياسية إلى العراق واستغلال الوضع الأمني المضطرب لتهيئة البيئة اللازمة لتفشي ظاهرة الغش الصناعي على اوسع نطاق، خصوصاً على مستوى تصدير مواد اولية ملوثة او رديئة إلى المعامل العراقية لضمان تدني الصناعة المحلية. وقال الخبير الاقتصادي د. موفق سعدون ل"الحياة":"انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع اسعار المواد المصنعة جيداً دفعا بعض المعامل إلى تصنيع منتجات مغشوشة لطرحها في السوق بأسعار تنافسية، ما ادى إلى تدهور سمعة المنتوج العراقي الجيد وعدم قدرته على منافسة البضاعة المغشوشة". والقى اصحاب معامل القطاع الخاص الذين التقتهم"الحياة"باللائمة على الجهات الحكومية لأنها سمحت للبعض بطرح سلع رديئة في السوق نتيجة دفع الرشاوى لبعض موظفي الفحص والمراقبة. وقال احد اصحاب معامل انتاج المشروبات الغازية:"الانفلات الأمني حرق الاخضر واليابس. وأضاف:"اضطر احياناً إلى استخدام مواد اولية نصف جيدة لتفادي الخسارة". وزاد:"الغش الصناعي طاول جميع المنتجات بلا استثناء لكنه ادى إلى ركود في معظم البضائع المحلية مع قلة الطلب عليها"، مشيراً الى"أن 50 في المئة من البضائع المعروضة في السوق العراقية رديئة او نصف جيدة وذلك ساهم بتخفيض معدل المبيعات بنسبة 70 في المئة مع اتجاه المستهلك إلى المستورد". وقال استاذ الاقتصاد في الجامعة المستنصرية د. همام الشماع ل"الحياة"ان القضاء على الغش الصناعي سيسهم باعادة ثقة المواطن العراقي بالمنتجات المحلية وبالتالي سينشط حركة المبيعات، ما سيؤثر ايجاباً في انتاجية المعامل. واضاف ان"حماية الصناعة الوطنية بحاجة إلى ان تمسك الحكومة بزمام الامور بتوفيرها مكائن حديثة ومواد اولية جيدة مع رقابة مشددة على المنتج منذ لحظة انتاجه حتى وصوله السوق، سيما معامل القطاع الخاص التي تتطلع إلى منح قروض طويلة الاجل لها من قبل المصارف العراقية لكي ينهض الصناعي بمعمله وبالتالي بمنتجاته". وأشار خالد اسماعيل صاحب"معمل الندى لمستحضرات التجميل"إلى انه اضطر إلى تخفيض معدل الانتاج تفادياً لتصنيع منتجات رديئة تؤثر في سمعة المعمل، وهو ما يفعله قسم كبير من الصناعيين الذي يعمدون إلى تقليل نفقات الانتاج بما يسمح بتحقيق ارباح معقولة.