في عصر يزداد الطلب على كل ما هو عملي وطبيعي، وفي وقت أصبحت متطلبات المرأة العصرية بعيدة كل البعد مما هو للمناسبات وباتت تطلب كامل الأناقة في الشكل الأكثر بساطة، دخلت المنافسة بين الألبسة الجاهزة وال"هوت كوتور" مرحلة تضع هذه الأخيرة في موقف دقيق. تنفيذ ال"هوت كوتور" يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، في وقت لم يعد يشكل مصدراً للربح لدور الأزياء الكبرى، بسبب كلفته المرتفعة. ليتحول هذا الفن تعبيراً عن قدرة المصمم على الابتكار من خلال القصّات وتطويع الأقمشة والمزج بينها إلى جانب الاعتماد على الاكسسوارات والأفكار الجديدة لتكريس الخصوصية والتميز اللذين تسعى لهما زبونة ال"هوت كوتور" من خلال رغبتها في الحصول على قطعة فريدة. تحت عنوان "خطوط الموضة" أقيم أسبوع الموضة الأول في بيروت سعياً إلى تتويج العاصمة اللبنانية "عاصمة الموضة في العالم العربي"، لا سيما مع وصول الكثير من المصممين اللبنانيين والعرب في شكل عام إلى الشهرة العالمية. وهذا الحدث "الحلم" - كما وصفه مشاركون - استمر أربعة أيام عرضت خلالها إحدى عشرة مجموعة، رسمت خطوط موضة خريف وشتاء 2004 - 2005. تنوعت العروض وتعددت، فجاءت مكمّلة أحدها للآخر. ولم يؤثر بعضها، في ما ندر الذي جاء مخيباً لآمال الجمهور إلى حد ما، في المستوى العام للحدث، إذ استطاعت عروض أخرى إضفاء توازن من خلال تميزها. لترجّح الغالبية الساحقة للعروض كفة الميزان لمصلحة نجاح ملموس استطاع محاكاة أحاسيس المرأة وسبر غور أنوثتها، بذوق رفيع وتميز راقٍ. التصاميم التي عرضت بمعظمها في أسبوع الموضة في باريس، تراقصت في قاعة دبي هول في فندق "ميتروبوليتان" لتعطي البعد الفني ل"بيروت". مزج ساحر للألوان. تنوع لافت في القصّات. لمسات سحرية للمصممين. احتراف العارضات. أضواء المسرح. عوامل أضفت عالماً من السحر والجمال... جورج حبيقة افتتح أسبوع الموضة الأول في بيروت مع المصمم جورج حبيقة وكما يقال "المكتوب يظهر من عنوانه". وتمكن حبيقة، عبر مجموعته "الفراشة"، من أن يبهر جمهوره في مجموعة طغت عليها ألوان الباستيل كالزهر والأزرق والبنفسجي والأخضر. نوع حبيقة أقمشته بين الجوخ والصوف والدنتيل والغيبور إضافة إلى الجلد والفرو الذي اخذ لون الفستان نفسه. "اليعسوب والفراشة" شكلا شعار المجموعة ليضيء بوش الفراشة المرصع بالحجارة الكتف والخصر مضيفاً على الفساتين جمالاً وأناقة. غريمالدي - غاردينا نجاح اليوم الأول للعروض استمر مع مجموعة من ستة وثلاثين ثوباً طغت عليها ألوان العاجي، الذهبي والأبيض مع لمسات حمر ونبيذية من تصميم دار الأزياء الإيطالية غريمالدي - غاردينا. العرض الذي حمل اسم "المقدس"، وهو مستوحى من أماكن العبادة وتقاليد زيارتها من نساء جنوبإيطاليا، بأقمشة ناعمة، ومنسابة كالموسلين والأورغنزا والشيفون. حملت المجموعة في طيّاتها الإيحاء بالشرق موازنة بين احترام جسد المرأة واظهار أنوثتها. خالد... وأم كلثوم الأجواء الشرقية بلغت ذروتها في ختام اليوم الأول مع أربعة عشر فستاناً للمصمم اللبناني خالد الذي استلهم تصاميمه من كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، لتتمايل العارضات على أنغام "انت عمري"، "هذه ليلتي" ومقتطفات من "الأطلال". "هلال" أم كلثوم كان موضوع الاكسسوارات المعتمدة إضافة إلى تسريحات شعرها ونظاراتها. وبعد فستان حمل عبارة "آه يا ست آه يا ست"، اختتم خالد مجموعته بفستان عروس مرصع باللؤلؤ استوحاه من فستان ارتدته أم كلثوم في حفلة أحيتها في بعلبك. فوزية النافع مع "المتعة" بدأ اليوم الثاني، ثمانية وثلاثون فستاناً، حملت في طياتها "المتعة" التي اختارتها المصممة السعودية فوزية النافع عنواناً لمجموعتها الجديدة. برز في المجموعة استخدام الساتان، إلى جانب التول والشيفون. وعملت النافع على تطويع الأقمشة والمزج بينها، معتمدة على الأكسسوارات والتطريز، ما أضاف لمسة من السحر والأنوثة على الفساتين. تغطت الألوان الزاهية، لتضيف مع الأقمشة المنسابة بهجة على الحضور الذي صفق لأكثر من فستان. وأنهت النافع مجموعتها بثلاثة فساتين أعراس من لون ال off white أبيض مخفف. فادي نحلة المشاركة في أسبوع موضة، تضع الجميع تحت ضغط كبير لا سيما ان كل المكملات للتصاميم من مكياج وتسريحات شعر تكون حكراً على الأشخاص أنفسهم. إلا أن مصففة الشعر اودريه لامبرت والمزين ويليام بارتيل استطاعا أن يعطيا كل مصمم وأزيائه حقّه لتأتي تسريحات كل مجموعة وماكياج عارضاتها مختلفة تماماً عن الأخرى. جاءت العروض جميعاً مزيجاً بين البساطة والأناقة والسحر. أما المصمم اللبناني فادي نحلة فاختار اللعب على الديكور والإضاءة فوضع طاولة مزينة بالشموع، أضفت أجواء تذكر بأفلام الرعب، خصوصاً مع العروس الساكنة التي ظلّت بلا حراك حتى قبيل النهاية بقليل، عندما كشفت عن وجه مُوّه باللون الأبيض مع ماكياج أحمر. الديكور الخاص لم يعطِ نحلة أفضلية، ولم يضف على عرضه ما يحول دون شعور قسم كبير من الحضور بالخيبة، إذ ان مجموعته لم تحمل جديداً إلاّ في بعض القطع القليلة. هايدي بيك لم تترك بعض "الخيبات" أثرها في أسبوع الموضة "العربي". وجاء عرض المصممة الألمانية هايدي بيك ليعيد الحضور إلى جو الأناقة وال"هوت كوتور" المنتظر. جمهور بيك التي تعرض للمرة الأولى في لبنان كان قليلاً، معظمه من الصحافيين. وقام منظمو "الحدث" باستدراك الأمر، فبعد دخول الحضور القليل، قام العاملون والمشرفون على التنظيم بأداء دور الحضور لعرض كان من انجح ما عرض في أسبوع الموضة في بيروت. بيك لم تكتف بعرض الفساتين، لتعطي السترات والبلوزات حقها مستخدمة الشيفون والأقمشة البراقة، مبتعدة عن الشك المضخّم. لتأتي مجموعتها مزيجاً بين الأناقة البسيطة وال"هوت كوتور". داني أطرش بلغ التميز ذروته، ووصلت الأنوثة إلى قمتها لتجتمع في تصاميم داني اطرش الفريدة. تصاميم حملت في طيّاتها الجديد الذي تميّز به أطرش منذ انطلاقته في لبنان عام 2001. وعلقت أنظار الجمهور في الأثواب التي حلّ الأسود والبني والنحاسي ضيوفاً عليها، إلى حين ظهور المصمم "الخجول" الذي اعتاد ألا يقطع نصف المسرح ليعود سريعاً إلى وراء الكواليس. استطاع أطرش أن يرسم بتصاميمه جسد المرأة الأنيقة من خلال تطويع الأقمشة والقصّات لتظهر كل قطعة تحفة بحد ذاتها. أسبوع موضة في عاصمة عربية "حلم" تحقق على رغم أن مجموعة "الاختتام" من تصميم توني ورد لم تطفئ شغف الحضور، ولم يرض عنها إلا القليلون. "حلم" لن يكتمل إلا بتثبيته حدثاً سنوياً يعقد مرتين... الموعد المقبل في الأسبوع الأول من شباط فبراير 2005 وفي الانتظار تكون بيروت خطت خطوة على طريق عواصم الموضة!