كان وزير الثقافة المغربي محمد الأشعري يتحدث بلسان الشاعر أكثر منه بلسان المسؤول، حين اكد في لقاء جمعه بمجموعة من الصحافيين المصريين انه غير مقتنع تماماً بفاعلية الاسابيع الثقافية لأنها على حد قوله نوع من إراحة الضمير. لكنه يفضل "اللجوء الى اتفاقات العمل المنظم والاتفاق على صيغ للتعاون والمشروعات الثقافية المشتركة". ما قاله الوزير جاء بعد يوم واحد من افتتاح الأسبوع الثقافي المغربي في مصر، لكنه عكس في ما يبدو نوعاً من الإحباط استشعره المغاربة منذ اليوم الاول وهم يقدمون فاعلياتهم الثقافية لجمهور محدود فلم يتجاوز عدد الحاضرين في اللقاء الشعري الذي نظم في دار الاوبرا المصرية عدد اصابع اليد الواحدة، ربما لأنه اقيم من دون دعاية أو اعلام وقد أجري في الموعد نفسه الذي حدده جابر عصفور الامين العام للمجلس الاعلى للثقافة لعقد لقاء بين المثقفين المصريين والوزير المغربي الذي وجد هو والوفد المغربي "حفاوة واضحة" في المجلس الأعلى كانت هي العزاء الوحيد لغياب الجمهور عن الفاعليات، وهو عزاء اضيف اليه تفسير رسمي لهذا الاضطراب الذي اصاب برنامج الايام المغربية. وحمّل جابر عصفور، وهو المسؤول الثقافي الرفيع في مصر قطاع العلاقات الثقافية في وزارة الثقافة المصرية والذي يترأسه الكاتب شريف الشوباشي، مسؤولية الارتباك، مشيراً الى غياب التنسيق بين هذا القطاع والمجلس الذي لم تُستشر لجانه ولم يُدعَ اعضاؤه للمساهمة في انجاح البرنامج. وعلى اي حال كانت صيغة الود التي فرضها المصريون على حوارهم مع الاشعري هي المثلى لاحتواء الموقف الى جانب التعليمات التي وجهها عصفور الى لجنة الشعر في المجلس لاستضافة عدد من الشعراء المغاربة في امسيات مشتركة. واقترح احمد عبدالمعطي حجازي ان تقام في مكتبة الاسكندرية. أما الاشعري فنجح الى حد كبير في تقديم الخطوط العريضة في برنامج عمل وزارته وهو برنامج لم يكن بعيداً عن التطورات السياسية التي شهدتها المملكة المغربية في السنوات الاخيرة فيما سماه "لحظة التناوب" التي شهدت انتقال السلطة الحكومية الى غالبية برلمانية يشكل التيار التقدمي عمودها الفقري. وهذه التجربة نالت القسط الاكبر من تعليق المثقفين المصريين على محاضرة الاشعري الذي أشار الى ان العمل الثقافي الرسمي في هذا السياق احتاج الى الكثير من الجهد لإيجاد مؤسسات ثقافية كان المغرب يعاني فقراً واضحاً حيالها. وتجلت الحاجة الى ابتكار آليات جديدة لمواجهة مشكلات النشر، خصوصاً ان بلاده لم تعرف مؤسسات للنشر العام وكل ما كان ينشر فيها يعتمد في الاساس على مبادرات خاصة، وهو امر وسم الانتاج الثقافي بالمحدودية الكمية قياساً الى الوضع الديموغرافي وقياساً الى الزمن الذي قطعه المغرب منذ سنوات الاستقلال والى الآن. وأكد وزير الثقافة المغربي أن لا رقابة على النشر والمطبوعات في المغرب وان القوانين المعمول بها الآن تخلصت من سلبيات كثيرة كانت تعوق حرية الفكر والابداع وتتسم في غالبيتها بروح تقدمية. وأشار الى الدور الذي يمكن الثقافة ان تلعبه في مواجهة "الافكار الظلامية" التي تطورت الى درجة الفعل الدموي في انفجارات الدار البيضاء. واعتبر ان الاصلاح السياسي كان خطوة ضرورية لتمكين العنصر الثقافي من اداء دوره في المواجهة. لغم فرانكفورت وأشار الاشعري الى اتفاق للتعاون الثقافي وقع خلال الزيارة بين مصر والمغرب، وتحدث عن برنامج بدأته وزارته لدعم الناشرين وهو يمكنهم من بيع الكتاب المغربي بأسعار اقل مما كانت عليه في الماضي. لكن اللغم الاكبر الذي فجّره الوزير المغربي كان حين تعرض لأسباب تغيّب بلاده عن المشاركة الرسمية في معرض فرانكفورت، مؤكداً ان بلاده "لا ترى في معرض فرانكفورت سوى معرض مهني بحت". وقال الاشعري ان "معرض فرانكفورت يجمع بين دور النشر في فروع المعرفة في مختلف بقاع العالم وهو ليس اكثر من سوق دولية للنشر، وعلى هذا الاساس فوجئت بتخطي مهمة المتخصصين والناجحين في هذا الموضوع وتحويله الى جامعة الدول العربية التي لم يكن لها نجاحات تذكر في هذا المجال". واستنكر الاشعري "ان يدعى قبل سنوات بلد صغير مثل البرتغال للمشاركة كضيف شرف منفرد في المعرض في ما يساق العرب كجماعة الى هناك". وعلى رغم هذا التحفظ أكد الاشعري ان وزارته قامت بواجبها في دعم الناشرين المغاربة المشاركين، وهي لم تدع الادباء المغاربة الى رفض المشاركة في هذا المعرض. جابر عصفور الذي اشرف على اعداد برنامج الندوات الذي تشارك به مصر في فرانكفورت مع ما طرحه الاشعري مؤكداً ان "المشاركة العربية في المعرض مناسبة جيدة ينبغي استثمارها لتحسين صورة الثقافة العربية". وتضمنت فاعليات الأسبوع الثقافي المغربي في مصر، مجموعة من الندوات الفكرية والأمسيات الشعرية. منها ندوة حول المشهد التشكيلي المعاصر في المغرب ساهم فيها موليم العروسي وفريد الزاهي وحسن نجمي، ومحاضرتان الأولى بعنوان "العولمة المغايرة والحوار الحضاري المطلوب" ألقاها بنسالم حميش، والثانية حول "التحدي السياسي العربي: مقدمة وأسئلة" ألقاها كمال عبداللطيف. وتحت عنوان "قضايا أدبية وثقافية تشغلني" قدم محمد برادة رؤيته في هذا الاتجاه، متناولاً تطور النقد الأدبي الحديث والمعاصر. وألقى عبدالحميد عقار محاضرة في هذا الشأن، وتحدث مبارك ربيع عن "ملامح رؤية في الكتابة"، وعن "المرأة والرهان الديموقراطي في المغرب" قدمت رشيدة بن مسعود محاضرة. وتضمنت الفاعليات قراءات شعرية شارك فيها كل من وفاء العمراني وعبدالكريم الطبال وعبدالعزيز ازغاي. وعلى هامش الندوات أقيم معرض للكتاب المغربي، وآخر للحلى التراثية والتطريز، إضافة إلى مجموعة من العروض السينمائية المغربية ومعارض الفن التشكيلي.