"إتقان اللغة الإنكليزية ضروري"... فقرة اعتاد سماعها الشباب الجزائري الباحث عن العمل... فكل وظيفة مهمة أصبح يعلن عنها على صفحات الجرائد والمجلات أو مواقع الانترنت، يشترط أصحابها بالدرجة الأولى على المتقدمين بالطلبات شهادة في اللغة الإنكليزية، ما جعل الإقبال على دراستها أمراً يفرض نفسه بقوة. قد لا يبدو هذا الكلام غريباً، ولكنه في الجزائر غريب، خصوصاً ان اللغة الفرنسية تبدو ضحية هذا التبدل. وقد يعكس هذا الاهتمام المتزايد بالإنكليزية، انتشار مراكز تعليم اللغات في مختلف المدن والولايات، وأكثر من ذلك حيث أصبحت هذه المراكز والمعاهد تشهد تنافساً شديداً في ما بينها، سعياً إلى جلب أكبر عدد ممكن من الطلبة والتلاميذ، وحتى الموظفين والمسؤولين الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على العودة إلى مقاعد الدراسة، كشرط أساسي لترقيتهم إلى مناصب أهم ، أو لتمكنهم من المحافظة على مناصبهم الحالية. الشاب سفيان رحموني وهو مسؤول العلاقات العامة في إحدى شركات السياحة الخاصة يعتبر مثالاً حياً لمئات الشباب الذين لم يجدوا حرجاً في العودة إلى المدرسة بعد تخرجهم وحصولهم على وظيفة، فهو يعترف بأنه يشعر بنقص وعجز كبيرين خلال ممارسته لوظيفته، خصوصاً انه يتعامل يومياً مع الأجانب، وقال: "صحيح أنني نجحت في الظفر بمنصب مهم، لكنني للأسف أظن بأنني أقصر في حق وظيفتي كثيراً، لأنني لا أتقن جيداً اللغة الإنكليزية، لذلك قررت أخذ دروس مكثفة لأتدارك الوضع". أما فريال 26 عاماً فحكايتها مع الإنجليزية مختلفة، فهي تقول إن هذه اللغة شكلت لها عقدة عندما تقدمت لطلب وظيفة لدى إحد المصارف الأجنبية العاملة في الجزائر. وأوضحت في سيرتها الذاتية أن مستوى إتقانها للغة الإنكليزية حسن... وعندما استقبلها المسؤول عمد الى الحديث معها بالإنكليزية، ما جعلها ترتبك وتفقد الوظيفة في أول لقاء، وتقول فريال إن تلك الحادثة "جعلتني أسارع إلى تسجيل نفسي في مركز بريتش للغات، وأظن أنني لن أتقدم لطلب أي وظيفة أخرى قبل أن أحصل على الشهادة". ويتذكر الطالب بلال 24 عاماً انه في المدرسة لم يعر الإنكليزية أي اهتمام، وقال انه كان يفضل المزاح مع زملائه والتعليق بسخرية على المعلم، لكنه اليوم لا يخفي ندمه على ذلك الاستهتار "أنوي خلال هذا العام الدراسي الالتحاق بدورة مكثفة في اللغة الإنكليزية بهدف تعويض النقص الذي أشعر أنه سيحد من حظوظي في الظفر بوظيفة مهمة بعد تخرجي من كلية الإعلام"... وعلى رغم اعتراف بلال بعدم جديته في دراسة اللغة الإنكليزية، غير أنه يلقي باللوم على نظام التعليم في بلاده، الذي قال إنه لم يعط هذه اللغة حقها، وأنه ركز فقط على اللغة الفرنسية من دون غيرها، مشيراً إلى أن التعديلات التي طرأت على نظام التعليم أكدت استفاقة السلطات أخيراً اذ أدركت أهمية اللغات في العصر الحالي، ما جعلها تقرر إدراج تعليم الإنكليزية ابتداء من السنة الأولى. وقد يظهر من خلال هذه الأمثلة أن اللغة الإنكليزية أصبحت تفرض نفسها بقوة على الشباب الجزائري المعروف عنه عامة بأنه فرنكفوني أكثر من الفرنسيين!! وفي هذه النقطة حاول هشام لعبودي الطالب في كلية الترجمة في الجامعة المركزية في العاصمة ان يوضح أمراً قال انه مهم جداً، فهو يرى أن الإنكليزية ستحل محل الفرنسية لا محالة، وفسر ذلك قائلاً: "لقد تعلمنا في صغرنا الفرنسية ونحن مجبرون، لكن الإنكليزية نتعلمها اليوم ونحن مخيرون، بل اكثر من ذلك فنحن ندفع أموالاً كبيرة لإتقانها، لأنها بكل بساطة لغة العصر ومفتاح النجاح في مختلف الاختصاصات وفي مقدمها الإعلام الآلي. ويتفق مع هذه الفكرة حسان شابي مدير عام مركز الجزائر للغات الذي قال: "بعد عودتي من الولاياتالمتحدة الأميركية قبل أربعة أعوام اكتشفت أن المستقبل سيكون للإنكليزية فهي لغة العمل والتواصل مع المجتمعات الأخرى في ظل ما يعرف بعصر العولمة والانفتاح، أما الفرنسية فأظن أنها ستبقى لغة مهمة في الجزائر لأسباب تاريخية معروفة، لكنني افضل تسميتها بلغة الصالونات فقط. وحول مراكز تعليم الإنكليزية قال حسان إن الطلب المتزايد على تعلم هذه اللغة يعتبر السبب المباشر لتكاثر مراكز عليها، غير أنه حذر من بعض التجار الذين يحاولون كسب المال فقط من وراء فتحهم لمراكز لغات من دون أن تكون لهم أية علاقة بالتعليم وأشار إلى أن مركزه سجل اقبالاً غير مسبوق، اذ سيستقبل في هذا العام الدراسي ما يزيد على ثلاثمئة وخمسين طالباً مقابل نحو مئة طالب تم استقبالهم العام الماضي. واللافت في الجزائر أنه على رغم عدم وجود جامعات أجنبية تشترط على الملتحقين بها اجادة اللغة الانكليزية، غير أن التواجد المهم للشركات الاجنبية، بخاصة العاملة في مجالات النفط والاتصالات والمصارف فرض على الراغبين في وظائف مهمة او ذهبية مثلما يسميها بعضهم تعلم الإنكليزية، فبحسب الكثير من الشباب تعتبر هذه اللغة جسراً يجب اجتيازه لتحقيق الأحلام.