يقول الكاتب الجزائري الراحل كاتب ياسين، صاحب رائعة «نجمة»، إن اللغة الفرنسية هي غنيمة حرب، لكن بعد حوالى خمسة عقود ونيف هل ما زالت لغة موليير كذلك أم تحولت إلى عبء يكبح انفتاح الجزائري على العالم بدرجة الانفتاح نفسها التي تمكنه منها الإنكليزية؟ من هنا ينطلق النقاش الدائر حالياً في الجزائر، والذي أصبح يطفو إلى السطح في مناسبة ومن دون مناسبة خلال السنوات الأخيرة. فمعروف عن الجزائر أنها دولة تكتسحها الفرنسية كلغة ثانية بعد العربية، وفي بعض الإدارات وحتى الوزارات كلغة أولى وفق درجة الاستعمال والتخاطب. والجزائر أكثر دول المغرب العربي استعمالاً للغة الفرنسية بسبب طول مكوث الاستعمار الفرنسي بالنظر إلى بقية الدول الجارة، لاسيما انه ركز على طمس الهوية الجزائرية وبقي أكثر من مئة وثلاثين سنة يسعى إلى فصل الجزائري عن هوياته الإسلامية والعربية والأمازيغية. وعلى رغم سياسة الرئيس الراحل هواري بومدين لتعريب المدرسة والإدارة بعد الاستقلال، إلا ان هذه السياسة لم تُؤتِ أُكلها بسبب قوة التيار الفرنكوفوني الذي عارض بكل السبل الخفية والمعلنة إنجاح التعريب. وكانت الجزائر شهدت معركة أخرى لها علاقة بالهوية الأمازيغية التي أدرجت في الدستور أخيراً وأصبحت لغة رسمية إلى جانب العربية وإن كان التطبيق الفعلي للترسيم لا يزال رهن إصدار النصوص التطبيقية الخاصة به. وتشهد الجزائر اليوم نقاشاً واسعاً حول استبدال الفرنسية كلغة ثانية في التدريس لمصلحة الإنكليزية، للتخلص مما يعتبر تبعية للدولة المستعمرة، من جهة وتقليم أظافر اللوبي الفرنكوفوني، وللاستفادة من ايجابيات الإنكليزية التي لا تملكها الفرنسية من حيث الانتشار في العالم وكل ما يتبع ذلك من امتيازات سواء على الصعيد العلمي والمعرفي أو الانفتاح الاقتصادي من جهة أخرى. وفتح شهية الداعين إلى تغيير الفرنسية بالإنكليزية في المناهج التعليمية والتدريس في السنوات الإعدادية، إقدام وزارات سيادية وجامعات على كتابة شعاراتها باللغتين العربية والإنكليزية، على غرار وزارة الدفاع ووزارة الشؤون الخارجية وعدد من الجامعات الجزائرية كالطب والحقوق، وكلها مؤشرات دفعت رواداً عبر موقعي «فايسبوك» و «تويتر» لإطلاق هاشتاغ #الفرنسية_ليست_رمز_التقدم، وتعويضها باللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية وأن تكون الثانية الإنكليزية. تدريس الإنكليزية في الأطوار الابتدائية مطلب أو توجه ليس وليد اليوم بل يعود لعقود سابقة. ويربط وزير التربية السابق علي بن محمد قرار إقالته أو كما يسميه «المؤامرة التي أدت إلى إقالته»، بإدخاله الإنكليزية في المناهج الدراسية للطور الإعدادي، ويقول انه جرى تسريب مواضيع البكالوريا في دورة 1992 عن قصد بهدف إجهاض مشروعه وإقالته. وانخرطت فعاليات عدة في المجتمع في حملة من اجل الضغط على الحكومة لاعتماد الإنكليزية بدل الفرنسية. وكانت وزيرة التربية نورية بن غبريط رفضت العام الماضي المقترح من أساسه، لكنه عاد إلى الواجهة من جديد هذه السنة. وتشهد الفرنسية حضوراً قوياً في الساحة الجزائرية، على حساب الإنكليزية، فوفق تقرير أنجزته منظمة «التعليم أولاً» جاءت الجزائر في ذيل الترتيب العالمي من حيث اتقان الإنكليزية، واحتلت المركز 67 قبل ليبيا والمملكة العربية السعودية. وأرجع الباحثون ذلك إلى تعلق الجزائريين بلغة «فولتير» لأسباب تاريخية. ويبدو أن الاهتمام بالإنكليزية وتدريسها جذب أيضاً الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي التي أشادت بمؤتمر دولي لتعليم الإنكليزية من تنظيم السفارة البريطانية في الجزائر وكتبت على صفحتها في «فايسبوك»: «مُبادرة جميلة لتحفيز الجيل الجديد لتعلّم لغة شكسبير، والتي هي أيضاً لغة التكنولوجيا والتي تفتح لصاحبها مهنيًا أبواب المستقبل. لم نحظَ في الجزائر بهذه الفرصة على أيّام جيلي، لذا ما زلت أعاني من عدم اتقاني الإنكليزية، ولم أقم في الماضي بجهد لتعلمها، لأنني ما توقّعت أن ينتهي بي الأمر متحدثة في منابر دولية».