عندما كان صدام حسين يحكم العراق بقبضة حديد كان سمير غالب يجلس في بيته في النجف في أوقات الاضطرابات. أما الآن فإن رصاص القناصة والقذائف والدبابات تبقيه وكثيرين غيره، في منازلهم وسط المعارك بين ميليشيا شيعية او الجنود الاميركيين المتوترين في الحارات المتربة الضيقة حول منازلهم. هناك جثة ملقاة في الشارع ملفوفة بغطاء متسخ لكن محاولة نقلها عملية خطرة وغالب يدرك ذلك. ويقول غالب: "قنّاص قتله بالامس في الساعة الثانية. كان يعبر الشارع. لا أعتقد بأنه كان مقاتلاً بل هو عراقي عادي". وكان غالب 24 عاماً يرتدي سترة واقية من الرصاص أهداها له صحافي وبدت غريبة فوق جلبابه العراقي التقليدي. تحول الحي القديم في النجف الى منطقة غير مأهولة قبيل هجوم متوقع للقوات الاميركية على ميليشيا "جيش المهدي" الموالية للزعيم الشيعي مقتدى الصدر. وأصبح غالب وكثيرون غيره من المقيمين في شوارع مكدسة بالمنازل الاسمنتية ذات الابواب الخشبية القديمة شديدي الحساسية تجاه أصوات الانفجارات ويمضون معظم يومهم في متابعة حركة القناصة. قال جاره هاني حسن 40 عاماً وهو أب لطفلين "هناك دبابة أميركية على رأس الشارع وقناصة يطلقون النار على أي شيء يتحرك مثل هذا الرجل الميت". واضاف وقد اغرورقت عيناه بالدموع "سقطت 15 قذيفة هاون في شارعنا بالامس. الكل يشعر بالرعب. أرسلت زوجتي وابنتي الى منزل والدتها. لا يمكنني الاتصال بهم". ويقول سكان الحي انهم لا يعبأون بمن يكسب حرب الاستنزاف الدائرة في المدينة والتي تركتهم حائرين في ما اذا كان يمكن هذه المدينة المقدسة أن تتجنب المزيد من الدمار واراقة الدماء. وقال حسن: "حاولنا الخروج لزيارة أسرنا. لكننا لم نتمكن من عبور الشوارع التي يسيطر عليها الاميركيون والمقاتلون الذين يطلقون النار على أي شخص". ويشكو الرجال من ان العراق لم يتغير بالنسبة الى الغالبية الشيعية منذ سقوط نظام صدام. ويضيف حسن: "النجف شيعية. في عهد صدام كان جيش القدس التابع له والبعثيون يؤذون الناس ويمارسون الضغوط علينا. والآن حولها جيش المهدي والاميركيون الى منطقة حرب". توقف لحظة ليري صحافياً ركبة جاره التي أصيبت عندما أجبره صدام مع مئات الألوف غيره على محاربة ايران في الثمانينيات. لكنه لم يسهب في وصف معاناة الماضي عندما سمع أزيز مقاتلة أميركية في الجو وأصوات طلقات نارية تركت الناس يتساءلون من أين جاء الرصاص. وقد لا ينتهي الحصار قريباً. فرجال "جيش المهدي" الذين يطلقون قذائف صاروخية في كل اتجاه مختبئون ايضاً في مرقد الامام علي. واجتياح أحد اقدس المزارات الشيعية لن يكون خياراً حكيما بالنسبة الى القوات الاميركية التي تريد احتواء المشاعر وليس إثارتها. وبعد ساعات في الظلام من دون كهرباء أو ماء لا يجد سكان الحي القديم ما يفعلونه سوى جمع أجزاء ضخمة من الشظايا القاتلة. ويقول غالب بينما تمر حافلتان صغيرتان ببطء في شارعه مهدئتين من سرعتهما لمعرفة ما اذا كانت دبابات أو قناصة متمركزين على رأس الشارع "نجلس منتظرين صوت الانفجار التالي". وعندما هزت قذيفة هاون المنطقة نظر حسن حوله وقال: "اعتدنا ذلك. انه يحدث كل يوم. الشوارع المحيطة بنا مستهدفة من القناصة. ليس أمامنا ما نفعله سوى الانتظار". اما علي غانم الساكن في الشارع نفسه فيتذكر أحلاماً مر عليها وقت طويل. يقول وهو ينظر الى الشوارع المهجورة "عندما سقط صدام راودتني أحلام كثيرة في شأن النجف الاشرف... عن سياح كثيرين وحجاج يتوافدون...".