هل من المعقول ان يكون الشباب الخليجي سطحياً إلى هذه الدرجة؟ قد يستغرب القارئ هذا السؤال - الهجوم... الا ان غالبية شبابنا لا تعرف سؤالاً أو حواراً أو جدلاً حياً من ساعات المساء الأولى حتى بزوغ الفجر سوى "البرتقالة". أنا بالنسبة اليهم متخلف لأنني لا أعرف ما هي "البرتقالة". لكن لا تعتقدوا انكم أفضل مني حالاً بزعمكم انكم تعرفونها... هل تعرفون ما هي البرتقالة؟ لو كانت الإجابة انها الفاكهة المعروفة صاحبة اللون والقشور البرتقالية والطعم المميز والعصير اللذيذ الذي يوصي به الاطباء ليمدنا بفيتامين "سي"، أقول لكم لا! أنتم رجعيون أيضاً. "البرتقالة"، أغنية عراقية عمرها لا يتجاوز ثلاثة أشهر وتبث حصرياً على قناة غنائية اسمها "النجوم"، وأصبحت القاسم المشترك الفني الأكبر بين الشباب السعودي وشباب الدول الخليجية الأخرى، حتى أنهم يتنفسونها ليل نهار ويقدمونها لبعضهم بعضاً "اهداءات" عبر الفضائيات في كل اللحظات. حتى من كان لا يحب أكل البرتقالة أو عصيرها بات يتمناها على طاولة الغداء والعشاء، ليرى معشوقته المدورة ويبدل لغته "العربية" إلى اللغة "البرتقالية". طلبات مستمرة تساؤلات متكررة على غالبية القنوات الفضائية الفنية كلها تدور حول "البرتقالة"! كلمات هذه الاغنية ليست لشاعر عربي كبير مثل، أدونيس أو نزار قباني، بل هي كلمات عامية شعبية راقصة تصيبك بدوار. وتقول: "يالبرتقالة.. إش لك على ابن الناس... عذبتي حاله، طول الليالي، قاعد يفكر فيك، بس رحمي حاله"! الفنان العراقي الذي يغني هذه الاغنية يدعى علاء سعد ولم اعرفه وإن كنت غير متابع للفضاء الفني قبل هذه الاغنية "النقازية"، التي جعلت صاحبي يطير من جانبي ويرقص عليها بجنون، وهي من إخراج محمد الخطاب. ألا تتفقون معي ان "الرصّة" العربية اكتملت؟ إذ أصبحنا أمام مدٍ فضائي، يعتمدُ على تسويق إثارة الغرائز في شكلٍ عَلني، من دون رقابة للذوق العام أو احترام أخلاقي، فأضحت الشاشات أشبه بالنوادي الليلية. كنت أنتظر مثل غيري، أن يطل علينا الفن العراقي من الشرفة التي عرفناها واعتدنا عليها، لكنه جاء مع الإطلالة الأولى بعد تحرره من النظام الصدامي متخاذلاً لا يمت الى الفن الذي عرفناه. أين أيام أغاني ناظم الغزالي في جسر المسيب، وسعدون جابر وكاظم الساهر وغيرهم، اضافة إلى الشعر العراقي الراقي الحر للجواهري او البياتي او مظفر النواب والسياب؟. في البلاد العربية، كان تقليد قصات شعر بريتني، ولباس نانسي، وضحكة هيفاء ودلعها، الموضة السائدة. لكن اللون "البرتقالي" أصبح هو السائد حالياً، خصوصاً في حفلات الزواج السعودية. فبحسب ما سمعت أضحت الفساتين والشورتات البرتقالية تتصدر القائمة الأولى في الطلبات النسائية في هذه الحفلات. علينا أن نبدل عقولنا وأدمغتنا الخاوية إلى اللون "البرتقالي" ونتحدث بلسان لونه "أورنج"!