يعز علي يا أبا علي أن ترحل مبكراً قبل أن ترى حلمك الكبير في عراق جديد، يعز عليّ أن تغتالك غيلة يد مجرمه لا تعرف إلا الموت والتخريب ولا تعيش إلا في ظلام. اغتالوك لأنك إنسان تريد الخير للعراق، اغتالوك لأنك لم تكن مثلهم سيئ النية والفعل، اغتالتك يد الشر التي تعودت أن تقتل العراقيين باسم الدفاع عن "الحزب والثورة" واليوم تقتل العراقيين باسم "المقاومة". أين ذهبت تلك الألوف من القتلة الذين مارسوا القتل والترويع بحق العراقيين، إنهم مجاهدون الآن يقومون بعملهم السابق تحت عنوان جديد، فأصبح رئيس جهاز الاغتيالات في جهاز الاستخبارات في عهد صدام المحداوي الدليمي "قائد جيش محمد". وأنشئ حلف جديد بين أفاقي البعث والظلاميين السلفيين. عرفتك يا أبا علي قبل أكثر من ثلاثين عاماً وكنت فيها إنساناً صادقاً أميناً مخلصاً محباً للخير نزيهاً في عملك مترفعاً عن الضغائن، فلم أسمع منك يوماً عن ذكرك للناس إلا خيراً. ووجدتك يا أبا علي عزيز النفس حافظاً لخلقك لم تضعف عندما ضعف الكثيرون أمام مغريات المال، مهما كثر وكيف: أنت الرقيب على المال. فعندما اشتدت الحال عليك قسّمت بيتك قسمين، أجرت قسماً وسكنت في القسم الآخر كي يعينك على الحياة، وكان متاحاً لك ان تحصل على مال لا يحلم به احد لو أغمضت عينيك ولكنك لم تهن نفسك وتبيع ضميرك، فبقيت عزيز النفس حراً ترفض أن تكون عبداً. لم تكن أميناً على المال فحسب فقد كنت أميناً في كل شيء، في عملك، في بيتك، مع أصدقائك، اذكر يا أبا علي في أواسط السبعينات عندما انتقلت إلى جامعتنا لتدرّس مادة الرقابة المالية وتلقي محاضرات لطلبة الدراسات العليا قلت لي يومها: "يا ماجد إنسَ أنني صهرك فحالك كحال البقية". وعلى رغم تغير الحال والزمان عندما التقينا بعد عشرين عاماً وجدتك كما أنت لم تداهن ولا تقول إلا الحق ولا تقبل بالفساد أينما حل. فكنت ترى أن العراق ينهض من جديد وكنت ترى المستقبل الزاهر الذي ينتظره. فقد شرعت منذ اليوم الأول لسقوط "هبل" تعمل ليل نهار، جاهداً متفانياً، لتكوين نظام رقابة يحفظ الحقوق ويمنع الفساد. وبعد سنة أعددت نظاماً جديداً لرقابة يكون عيناً ومانعاً للفساد الذي استشرى في زمن البعث الرديء، فقد توليت مسؤولية إعادة بناء ديوان الرقابة وتشكيل الهيئات الكثيرة وشرعت في تنظيم القواعد والأساليب التي تساعد على مكافحة الفساد الذي غرسه البعث في النفوس بعدما خرب الحجر وحرق الشجر، وحين التقينا بعد السنين العشرين قلت لك ما هذا الخراب وكيف يعمر الحال، قلت لي: "كل شيء سيُعمر وسننهض من جديد". كنت نشطاً يحدوك ويدفعك الأمل الى الأمام بكل تفانٍ. وعلى رغم كثرة الضغوط عليك والتهديدات لك لم تتراجع ولم تتهاون ولم تضعف، بل بقيت صامداً مؤمناً، بأن القضاء على الفساد هو السبيل للخلاص ولبناء عراق جديد. وبدأت تكشف فساد ما سمي "النفط مقابل الغذاء والدواء" وسرقة البلايين من أموال الشعب. وتكشف إلى أين ذهبت تلك الأموال وعرفت ان قسماً كبيراً ذهب إلى الأفاقين من العرب والعجم وما أكثرهم. وها نحن نرى اليوم من يملي الصحف سوداً دفاعاً عن صدام وعلى العراق وعلى الدماء التي تسيل وكأنما العراق كان يعيش عيشاً رغيداً عندما كان سيدهم حاكماً. إن تلك الوجوه الكالحة التي تملأ الشاشات بكاء على كابونات النفط التي ذهبت من ايديهم؟ عفواً متباكية على الشعب المقهور. فكم من صحافي مرتزقَ وكم من كاتب تقارير أصبح ينظر باسم القانون وكم من مذيع ينعق وصاحب جريدة يبكي ليل نهار على دمار العراق. ومن محامين يتسابقون الى الباطل. وكما قال المتنبي: قد افسد القول حتى احمد الصمم رأينا صمتهم، وكيف ألسنتهم أخرست، وأقلامهم جف حبرها عندما نقل لهم عن المقابر الجماعية والسجون الجهنمية وآلات ثرم العراقيين وخرج علينا اغلبهم يقول إن من دفنوا غدراً في المقابر الجماعية ما هم إلا مجرمون يستحقون الموت ونالوا جزاءهم العادل، وأنتم يا عراقيون تستحقون الموت هذا ما يقوله بعض الأعراب وما من حاكم استنكر وما من مثقف انتفض وعندما ُطلب من مثقفي الأعراب أن يستنكروا ما قام به رمزهم صدام، رفضوا الاستنكار. رحمك الله يا أبا علي لقد ساهمت في إعداد قوانين الرقابة المالية في العراق والبلدان الأعرابية وكذلك شرعت في إدخال نظم وأساليب جديدة وذلك قبل ما يقارب 30 عاماً، فأدخلت دراسة كفاءة الأداء، ذاك العلم الذي لم يكن معمولاً به في المنطقة عندما أدخلته إلى العراق. لقد أعطيت الكثير للعراق فما من خريج حصل على شهادة عليا في الحسابات في الربع القرن الماضي إلا أن تتلمذ على يديك. لقد خسرك العراق وهو في أمس الحاجة أليك والى أمثالك المتفانين مثل زميلك بسام كبه وغيره من العاملين المخلصين، خسرك العراق كفاءةً وأمانةً. واما نحن، فقد خسرناك أخاً وصديقاً، وتلك لعمري خسارة لا تعوض. رحمك الله يا أبا علي ورحم الله من قُتل معك ومن سار على طريق بناء عراقنا الجديد. لقد كنت رجلاً من رجالات العراق الذين عملوا بصمت ومن دون ضجيج. إن العملية المنهجية لقوى الشر والظلام باغتيال وتصفية الكوادر العراقية النزيهة والشريفة هي امتداد لذلك المشروع الذي يهدف للقضاء على أمل جديد لعراق جديد، فما زال البعث ينفث سمومه ومن معهم من السلفيين الظلاميين الذين لا يعرفون إلا الموت والدمار. ماجد شُبَّر