رياح الأزمات تمر ايضاً على الأممالمتحدة: فضيحة التنصت على الأمين العام. فضائح اخلاقية لأفراد من قوات حفظ السلام حصلت في الستعينات في كمبوديا وهايتي والصومال. محاكمة مسؤول برتبة جنرال، عن مسؤوليته في منع حدوث مجازر رواندا. لكن الأزمة الحقيقية هي اكثر وجودية، وتتعلق بالتناقض في جوهر عمل هذه المنظمة. فالإنسان هنا يبدو يحارب... جرائم الإنسان! فالمطلوب من الأممالمتحدة ان تعالج ذيول الحروب... والناس يتقاتلون! الأممالمتحدة استقبلت اللاجئين وهيأت الأماكن والخيم للأفغان والعراقيين، حين كانت اميركا تتسلح وتستعد لشن حربين متتاليتين على الدولتين! مطلوب من الأممالمتحدة ان تتنبأ بالمجازر وتحتاط لها، والجماعات انفسها تجمع على إرادة ارتكاب المجازر والتخطيط لها! المقاتلون في العراق لا يريدون قيام دولة مسايرة للأميركيين، ويريدون افشال الانتخابات، وعلى الأممالمتحدة التفكير ببدائل للانتخابات او العمل على تأجيلها! والانتخابات اساساً من شأنها ان تكون احد رموز الشخصية العراقية المستقلة. وهناك اصوات تندد بالغرباء، وأصوات اخرى، وربما نفسها، تطالب القوات الخارجية، ومنها الأممالمتحدة، بتثبيت الأمن! لذلك جاء رفض الأمين العام نشر القبعات الزرق ولو كلف ذلك امن المواطنين، طلما ان المواطنين انفسهم لا يريدون تحمل مسؤولية قرارهم وحماية انفسهم بالدرجة الأولى. هكذا رد الأمين العام المسؤولية الى الذين يفترض ان يكونوا مسؤولين عن الأمن ويعالجوا مسألة الفلتان الأمني وارتكاب المجازر. فحمّل مثلاً الخرطوم المسؤولية في دارفور، من حيث دورها الأول في حماية المدنيين ووظيفتها في فرض الأمن والنظام. وفي العراق اعلن انه يرفض التدخل لتجنب احداث 19 آب اغسطس حين تفجير مقر الأممالمتحدة ليس لشيء إلا لكي لا تكون عاملاً مساعداً للأميركيين في تحقيق الأمن واستقرار الأوضاع. كوفي انان لا يريد التورط في الحروب الأهلية، حتى لا تنتشر عدوى التناقضات الاجتماعية وتهدد اعمال الأممالمتحدة المستقبلية التي تصبح في وضع مرتبك ولا تستطيع اي المواقف ان تتخذ. فبعض الشعوب مثلاً يكره الديموقراطية، لكنها لا تلبث ان تنقلب على الذي يعطيها الديموقراطية! وفي موقف لافت ايضاً متصل بقرار المحكمة الدولية القاضي بعدم شرعية الجدار الإسرائيلي حول الضفة، اعلن الأمين العام ان على اسرائيل التقيد بقرارات المحكمة "في كل الإجراءات التي تتخذها"، ودلالة الإجراءات التي تتضمن السياسية منها لا تكتفي بالقرارات القانونية وحدها كطريق للحل، بل تفتح الباب ايضاً امام الحلول السياسية. سوق الغرب لبنان - بيتر قشوع