الأمم المتحدة تحاول رسم دور جديد لها. فمسيرتها كانت متعثرة، وهي الآن في مأزق سياسي. ومنذ تسعينات القرن الفائت بدأت تطرح أسئلة شبيهة بالأسئلة الفلسفية التي لا إجماع على أجوبتها: الحرب الوقائية، أو الاستباقية على قدر أكبر، هل هي مبررة؟ أم انها تشكل عدواناً على الدول؟ السيادة، هل هي مطلقة أم مشروطة؟ الى أي حد المنظمة الدولية قادرة على حل المشكلات الدولية؟ الواقع ان الأممالمتحدة، بسبب توقفها في منتصف الطريق أمام الحلول، سهلت بشكل غير مباشر التدخل الأحادي الأميركي في العالم، وتركت أميركا تحمل شعلة حقوق الانسان في المكان والزمان المناسبين لمصلحتها. في العراق، أقرت الأممالمتحدة مشروع "النفط مقابل الغذاء"، واستمر هذا المشروع سنين طويلة لم تُقدم المؤسسة في أثنائها على خطوات لتفعيل مراقبة حقوق الانسان، في الداخل، وتغيير النظام في هذا الاتجاه. فرأت أميركا في ذلك ثغرة للتدخل. وها هي تلغي المشروع. وبسبب توصل أميركا لتغيير النظام، وإعطاء بعض الحقوق للشعب العراقي، ترى الأممالمتحدة نفسها مضطرة لنزع صفة الاحتلال عن القوات الأميركية. والتفويض المعطى للأمم المتحدة للتحرك في الداخل العراقي، ضيّق الأفق، وغامض المضمون. المسؤولون في المنظمة يفهمون التفويض على أنه يتضمن إمكان صوغ الدستور، وإرساء قواعد جديدة للنظام، وتنظيم انتخابات تشرف عليها. لكن أميركا لها رأي مختلف. لذلك كان سيرجيو دوميللو يقول انه يملك صلاحيات، ولا يملك القدرة على تحقيقها. لكن ماذا في إمكان الأممالمتحدة أن تفعل وسط عالم أحادي القوة، وهي تريده أن يكون جماعياً؟ لذلك فالتحول الأساسي والمنعطف الحقيقي للأمم المتحدة لن يكون إلا على الصعيد الاجتماعي. الأمين العام، كوفي أنان، قال: "إن الحرب على العراق حوّلت أنظار العالم عن الفقر". المهمة المستقبلية حماية البيئة، ومحاربة الأوبئة. بحسب تقرير اليونيسيف، ثمة 121 مليون طفل خارج التعليم في العالم. وبحسب تقارير الأممالمتحدة، الفقراء، في كل مكان، يسددون مبالغ أكبر بكثير مما يدفعه الأغنياء مقابل الحصول على المياه. والانسان يخوض الحروب الدموية، ويضع قواعد أخلاقية للحروب، في الوقت نفسه! يحتلون الأرض ويدعون أنهم يفعلون ذلك ليحرروا الشعوب! "من الصعب أن يكون البشر إنسانيين" يقول أحدهم. مهمة الأممالمتحدة أن تجعل العالم أكثر انسانية. لبنان - بيتر قشوع