مركز «911» يتلقى (2.606.704) اتصالًا خلال شهر يناير    السلطان: إطلاق "المجموعة الثانية" من مشروعات "برنامج تطوير المحاور" يعزّز من انسيابية الحركة على طرق الرياض    الأعلى تاريخياً.. البنوك ترفع استثماراتها بسندات الحكومة 51.58 مليار ريال    وزير الخارجية المصري: رؤية لإعمار غزة دون خروج أي فلسطيني    الفريدي وأبو الحسن يَتلقون التعَازي في إبراهيم    تحت رعاية خادم الحرمين.. جائزة الأميرة صيتة تكرّم الفائزين في 16 فبراير    رحيل محمد بن فهد.. إنسان ورجل دولة باقٍ بذاكرة الزمن    رئيس اتحاد التايكوندو: تطوير التحكيم أولوية لتعزيز مكانة اللعبة محليًا ودوليًا"    رونالدو يشعل ليلة القتال في "موسم الرياض"    وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية الدنمارك    اختتام بطولة الشطرنج بالظهران وسط حضور ومشاركة من مختلف الدول    محافظ حفر الباطن يدشن مؤتمر حفر الباطن الدولي الصحة الريفية    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء لجنة السلامة المرورية بالمنطقة    المملكة المتحدة: سعي ترمب لفرض رسوم جمركية يهدد ب "تأثير ضار للغاية" على الاقتصاد العالمي    البريطاني "بيدكوك" يتوّج بلقب طواف العلا 2025    أمير تبوك يواسي أسرتي الطويان والصالح    زيلينسكي يفتح طريق التفاوض مع روسيا    أمير جازان رعى حفل انطلاق الفعاليات المصاحبة للمعرض الدولي للبن السعودي 2025م    تجمع جازان الصحي يتميز في مبادرة المواساة ويحقق جائزة وزير الصحة في الرعاية الصحية الحديثة    مختص : متلازمة الرجل اللطيف عندما تصبح اللطافة عبئًا    أمير الشرقية يدشن النسخة الثامنة من جائزة السائق المثالي تحت شعار "خلك معنا"    "يلو 20".. ثالث جولات الدور الثاني تنطلق الاثنين    بعد إنجازه في دكار... يزيد الراجحي يكتب التاريخ بفوزه الثامن في حائل    مدير تعليم الطائف يتابع تطبيق الزي الوطني السعودي في المدارس الثانوية    أحمد الشرع يصل السعودية.. اليوم    7 مستشفيات سعودية ضمن قائمة "براند فاينانس"    "السعودية للكهرباء" تُسوِّي جميع التزاماتها التاريخية للدولة بقيمة 5.687 مليار ريال وتحوِّلها إلى أداة مضاربة تعزِّز هيكلها الرأسمالي    لماذا تُعد الزيارات الدورية للطبيب خلال الحمل ضرورية لصحة الأم والجنين؟    رياح نشطة وأمطار متفرقة على بعض المناطق    استشهاد 5 فلسطينيين وتدمير أكثر من 100 منزل في جنين    إيماموف يحسم مواجهته مع أديسانيا بالضربة القاضية    إعلان المرشحين لجائزة الجمهور لأفضل محتوى رقمي    ملاجئ آمنة للرجال ضحايا العنف المنزلي    الزي المدرسي.. ربط الأجيال بالأصالة    الأحساء صديقة للطفولة يدعم جمعية درر    ثغرة تعيد صور WhatsApp المحذوفة    "معرض المنتجات" بالكويت يناقش التحديات التصديرية    «بينالي الفنون».. سلسلة غنية تبرز العطاء الفني للحضارة الإسلامية    مهرجان فنون العلا يحتفي بالإرث الغني للخط العربي    إنفاذًا لتوجيه سمو ولي العهد.. إلزام طلاب المدارس الثانوية بالزي الوطني    "موانئ" تحصد "جائزة المنصة اللوجستية"    الأسرة في القرآن    ذكور وإناث مكة الأكثر طلبا لزيارة الأبناء    وفاة صاحبة السمو الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته في العالم.. تكثيف الإغاثة السعودية للأشقاء الفلسطينيين والسوريين    موكب الشمس والصمود    خيط تنظيف الأسنان يحمي القلب    رحيل عالمة مختصة بالمخطوطات العربية    تفسير الأحلام والمبشرات    غالب كتبي والأهلي    عندما تتحول مقاعد الأفراح إلى «ساحة معركة» !    أمير حائل ونائبه يعزّيان أسرة الشعيفان بوفاة والدهم    نصيحة مجانية للفاسدين    حزين من الشتا    رحل أمير الخير والأخلاق    ندوة عن تجربة المستضافين    ممثل رئيس الإمارات يقدم واجب العزاء في وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل سعود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الايطالي يوجين مونتالي ... "من طرابلس"
نشر في الحياة يوم 17 - 07 - 2004

نشر الشاعر الايطالي الكبير الحائز جائزة نوبل للأدب 1975 يجين مونتالي، مجموعة من المقالات والنصوص الأدبية كتبها أثناء تنقله واقامته في بعض البلدان كمبعوث لبعض الصحف والمجلات الايطالية التي كان يعمل فيها. ومن بين البلدان الكثيرة التي زارها مونتالي نجد اشارة الى بعض البلدان العربية ومنها لبنان، سورية وفلسطين.
وجاءت زيارة مونتالي الى لبنان وسورية عام 1948 بمناسبة عقد المؤتمر الثالث لمنظمة اليونيسكو في لبنان. واضافة الى المعلومات القيمة التي قدمها عن المؤتمر والنشاطات الجانبية الأخرى، نجد وصفاً شعرياً جميلاً للمواقع والمدن التي زارها هناك انعكست في ما بعد في نصوصه الشعرية مثل مجموعته الشعرية "الزوبعة" التي ضمّنها بعض النصوص الشعرية بعنوان "شذرات". وكانت هذه النصوص تأتي أحياناً على شكل حكايا أو قصص قصيرة يشتمل معظمها على قسطٍ كبير من الخيال ودأب مونتالي على كتابتها ليثبت براعته في هذا النوع من الكتابة الأدبية. وفي أحيان أخرى يكتبها بأسلوب صحافي تقريري لكنها كانت تبقى على مستوى عال من الديباجة وقوة التعبير.
هنا جانب آخر من أدب هذا الشاعر الكبير الذي تجاوزت شهرته حدود القارة الأوروبية عن جدارة لكونه شاعراً مجدداً تميز بمتانة لغته الشعرية التي أذهلت الكثير من النقاد ودفعتهم لدراسته، وجعلت منه أيضاً شاعراً عالمياً. والنص عنوانه "من طرابلس".
"من طرابلس"
يتجلى لون العاصمة اللبنانية في هذا الموسم، نحو الساعة الخامسة ظهراً، مع أول أكاليل الضوء واللافتات الفوسفورية بحروفها العربية التي تطوف على المدينة فتجدها في شكل مفاجئ. غير ان طرابلس، حتى في النهار وتحت وابل من الأمطار الشديدة على الساحل اللبناني يبدو ان موسم الأمطار بدأ مبكراً تكشف عن جنونها المباغت وصرعها المعماري.
وعند النظر اليها من أعلى برج "ميليسندا"، تبدو طرابلس وكأنها ليست مدينة، بل بقعاً من التجمعات السكنية من دون نظام أو تخطيط، بيوت تتسلق عمودياً كالمرآة على نهر مصفر ومتعرج أبو علي وتستمر في الصعود على جبلين، ثم تتلاشى في كل الاتجاهات: بيوت صغيرة وكبيرة، قصور بشعة من "البسكويت" والزجاج، بغرف خشبية أو من دون، "شاليه" ومخازن كبيرة، سيلوس وسقائف، بقع قاتمة من الألوان المجردة وحزم من النباتات، أسواق وسينمات حديثة أو تكاد تكون حديثة، تحيط بها بساتين من النخيل ونبات الموز، أزاء بحر أزرق كالحبر يتلاشى في أفق من الأحمر القاني.
من العبث أن تعولوا على سائق السيارة الذي أنتم في عهدته، لكي يرشدكم في شكل ما الى الوجهة التي ترغبون فيها. فهو نفسه غالباً ما يحتاج الى دعمكم المعنوي. فالشوارع في هذه المدينة من دون أسماء والبيوت من دون أرقام. الكل يعرض عليكم مفاتيح التيه ولكن ليس هناك ذاكرة بشرية باستطاعتها ان تختزن كل الارشادات والنصائح التي سترافقكم من تقاطع طرق الى آخر. فالذين يقدمون الإرشادات هم أنفسهم لا يتفقون في ما بينهم والكثير منهم يدهشه أمر البحث عن شيء أو عن أحد. في لبنان يتميز الناس بحسب العائلة، المهنة أو الديانة، وساعي البريد هو الوحيد الذي يعرف المدينة.
توقفت طويلاً أستمع الى نداء المؤذن الأسود من أعلى منارة بيضاء يحميها سقف محاط بتاج من المصابيح الكهربائية. غير ان سقوط الأمطار كان يضفي على ذلك الآذان مسحة جنائزية، على رغم ان الفتاة اللبنانية التي وضعها المكتب الإداري في خدمتي كمرشدة ومضيفة، لم تجد أي حزن في صوت ذلك السادن السني. كانت مسلمة وسنية هي الأخرى، تتكلم بطلاقة اللغة الفرنسية والايطالية. لقد تعلمت لغتنا في مدرسة بيروت الايطالية، وفي بتيها جمهرة من الأشقاء والشقيقات كانوا يتكلمون اللغة الايطالية. تُرى لماذا؟ هل كان من باب الاعجاب أو الانسجام؟ لا أبداً. انه من باب السهولة، لأن المدرسة الايطالية كانت أقرب المدارس الى بيتهم، ولأن رجال الدين الذين كانوا يشرفون على ادارتها، كانوا يقبلون الطلبة من المسلمين ولم يحاولوا أبداً تحويلهم الى ديانتهم. أما الفرنسيون فلا تعرف الى أي ديانة كانوا يريدون تحويل اللبنانيين في السنوات العشرين أو أكثر من فترة سيطرتهم على لبنان. لقد وصلوا الى حد جعل اللغة الفرنسية لغة الزامية، فيما بقيت اللغة العربية لغة اختيارية في المدارس اللبنانية. فساد أو انعدام كفاءة المندوب السامي والجنرالات، والصلافة الفرنسية وعدم الفهم الكامل، هذه هي التهم التي كان يسوقها اللبنانيون ضد الدولة التي كانوا في حمايتها. ولكن في التقدير العام تُستثنى جامعة القديس يوسف التابعة لليسوعيين والتي أسست في بيروت عام 1865 وهي تشتمل على كليات مزدهرة في الطب والقانون والدراسات الشرقية، وتعتبر، مع الجامعة الأميركية 1866، من أرقى المؤسسات الثقافية في الجمهورية اللبنانية.
تقوم المفوضيات الفرنسية التي كانت تحتل المواقع السكنية العامة والقديمة، بنشاط كثيف لمصلحة ثقافتهم. فأكبر الصحف اللبنانية لوجور "النهار" ولوريان "الشرق" كانت تُطبع باللغة الفرنسية وبنسخ تصل الى ستة آلاف نسخة، وهذا يعتبر عدداً هائلاً.
انها صحف ضد الحكومة كانت تزعم أن أي معارضة تم سحقها على يد حكومة بشارة الخوري وهي تعلن أن "قصور السلاطين" تجهز بمجرد انتهاء مؤتمر اليونيسكو "حملة ارهابية جديدة" تهوي بكل ثقلها على لبنان. عندما سينتهي المطر سأحاول أن أجد طريقي من دون الحاجة الى نور "لوريان".
وخلال هذا الوقت، قابلت، عند نزولي من البرج، بعض أعضاء "البيرو" في المؤتمر، فطغت على مجموعتنا لغتان لغة جنوا واللغة العربية، غير ان اللغة العربية كانت تنحصر في تبادل بعض المعلومات بين المسلمة الجميلة وسائق سيارتنا السوري.
وعلقنا على أحداث اليوم الجديدة: استقالة "جوليان هاكسلي" من منصب المدير العام لليونيسكو، وتعيين "جامّ توريس بوديت" رئيس الوزراء المكسيكي محلّه، وهو ذو ثماني وأربعين سنة، شاعر وروائي، وأعلن عن موعد وصوله القريب الى بيروت.
مطر. ولكن سيرجع الصفاء عن قريب. حتى هذه الأيام المتعبة كانت مثمرة بالعمل وبنتائج جيدة بالنسبة الى من مثّل ايطاليا في المؤتمر الثالث لليونيسكو. وربما بفضل جهودهم ستقام الدورة الرابعة للمؤتمر في ايطاليا وبهذا سيكف اليونيسكو عن كونه رمزاً غامضاً في نظرنا.
الترجمة والتقديم: فوزي الدليمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.