كنت حريصاً على أن ألبي دعوة الحاج فوزي تاجر الأدوات الصحية له أكثر من محل في مدن أخرى يأتي في الشتاء إلى مدينتنا لقضاء ثلاثة أسابيع، يقول إن هذه الأسابيع كل اجازته يستريح فيها من الشغل والعائلة ويحب لمة الصحاب. الفيلا على شط النيل، عادة تكون السهرة في الباحة الخلفية بجوار حمام سباحة لم يستخدم أبداً، مكسو بسيراميك ناعم الزرقة، يقول إنه ايطالي تتراكم في قاعه أوراق شجر صفر هشة، يمنع الخدم من إزالتها، يطيب له أن ينظر إليها في قعدته، وثمة جدار يحجب الحمام عن العين المتطفلة تغطيه لوحة بامتداد مساحته بها جياد جامحة على أهبة الوثوب بينها فتيات يخطرن في رشاقة وغلالة رقيقة تنساب على أجسامهن، تهفهف وتشف عن سيقانهن الجميلة، وشعورهن السود تتطاير خلفهن. يسألني حين يراني منجذباً إليها: تعجبك؟ ويقول: آه جميلة ربما حكيت لكم من قبل حكايتها. كل مرة كان يحكي مستمتعاً، فالرسام الذي رسمها لا يلبس غير "الشورت" و"تي - شيرت" كالح وينتعل صندلاً في قدميه جاء به من مالطة، ولماذا مالطة؟ كان هناك لسبب لا يتذكره، ورأى لوحة صغيرة في محل بيع لوحات أعجبته هذه اللوحة نفسها التي ترونها وجاؤوا بالرسام واتفقنا. ولد أبيض نحيل شاحب الوجه، وشعر أشقر وسخ ينزل على قفاه، تذكرة بالطائرة وتذكرة بالقطار درجة أولى مكيف، يرفضها ويفضل الدرجة الثالثة في قطار قشاش مزاج. ماذا نقول له، جاء وحقيبة على ظهره، تماماً كحقائب تلاميذ المدارس، فيها كل ما يلزمه: أدوات الرسم "تي- شيرت" وغياران، ورفض أن ينام في غرفة داخل الفيلا. فرح الشازلونغ، هناك في الركن أترونه؟ وقال هذا كل ما أريد. ينام ويأكل فوقه. وكان مجنوناً بالبرتقال، يأتي على ثلاثة كيلو في القعدة. وحتى في راحته وهو يمشي هنا وهناك لا تفارق البرتقالة فمه، يثقبها ويمتصها لا يقشرها، ورفض أن نعصرها له، رمقني مستغرباً حين اقترحت عليه ذلك، ويصدف أن ينفد البرتقال، اعتدنا أن نضعه له في سبت بجوار الشازلونغ. يتلفت حوله مثل طفل ضاعت لعبته، ويقتحم المطبخ باحثاً. الخادمات لا يفهمن ما يقول وهو لا يفهم ما يقلن. بعدها عرفن ما يريد، وتطلب واحدة منهن بالبرتقال بالتليفون من المحل. المقرر كان كيلو أو اثنين في اليوم، في وجوده القفص كامل كل يوم. كان متعة أن أراقبه عندما أجد نفسي خالياً، أجذب مقعداً إلى النافذة في الدور الثاني وأنظر إليه، وكنت حريصاً ألا يراني حتى لا يضطرب حاله. اسمع أن الفنان منهم لا يحب التلصص عليه، يعمل عارياً، آه، الشورت فقط، ليلاً ونهاراً فوق السلم، أتيناه بكشاف قوي، الخادمات الثلاث في الفيلا مجنونات به يتخفين في مكان ويرقبنه، يسارعن بغسيل ما يرمي به من غيارات وأدوات ويقفن جنب الشازلونغ وهو يأكل، ينتظرن أي إشارة منه. كنت أنادي مرات حين أحتاج شيئاً، وبعد أن يبح صوتي تأتي واحدة منهن: - أيوه يا سيدي... كنا ننظف... صغراهن، لا أذكر اسمها، أكثرهن افتتاناً بالولد، تمسك بفوطة مبللة ويكون قاعداً ليستريح على الشازلونغ لا تستأذنه ولا تقول كلمة، وحتى لو قالت لن يفهم، تنحني فوقه تنظف جذعه المتسخ، الولد لم يستحم طوال إقامته حتى في الصباح، يكتفي بفوطة مبللة يمسح بها وجهه وإبطيه، ربما رأته البنت فجاءتها الفكرة، تنظف ظهره ورقبته وصدره، الولد يستسلم لها ضاحكاً، البنتان وقفتا غير بعيد خائفتان، يداهما على صدريهما ولا يبتعدان. يوم والثاني وقررت البنت أن تهب الولد عذريتها، البنتان حاولتا أن تثنياها عما تنوي بلا فائدة، حين رأتا تصميمها قامتا بتنظيفها من الشعر، ساقاها ذراعاها، تحت إبطيها، جعلتاها تلمع، والبنت استحمت وسرّحت شعرها وتلقت نقطتي عطر من زجاجة تحتفظ بها واحدة منهن. بقيت زميلتاها في الحجرة صاحيتين تنتظران، حكتا لي في ما بعد قبل أن أطردهما. البنت اقتحمت المكان على الولد وكان راقداً على الشازلونغ واغتصبته، آه، كانت حكاية، وفي الصباح اختفت. بحثنا هنا وهناك ولم نجدها، أبلغتُ أهلها. بحثوا أيضاً عند اقاربهم ومعارفهم ولا أثر لها. البنتان كانتا تخفيانها في مكان ما بالفيلا، في الليل تتسلل إلى الولد على هذه الحال ثلاثة أسابيع، وأنا لا هنا، والولد انتهى من اللوحة، وانتظر يومين يتطلع إليها. الصدفة وحدها أوقعتها في يدي. كانت قادمة من عند الولد على وش الفجر، وكنت في الصالة الخارجية، لا أذكر ما جلعني أسهر ليلتها ولا ما كنت أفعله هناك، لفت انتباهي صرير الباب الزجاجي المؤدي لحمام السباحة، هذا الباب. ورأيتها تهرول في اتجاه المطبخ، تشمر جلبابها قليلاً حتى لا يعوق هرولتها، وأنا مأخوذ ناديتها. تسمرت في مكانها، ولا حركة، دقيقة دقيقتان، واستدارت ترتعش تنتفض، رعب الدنيا، وجدتني أسير إليها، تهاوت عند قدمي: - سامحني يا سيدي. - أسامحك؟ كل ما قالته انها نامت مع الولد، والذنب ذنبها، هي التي ذهبت إليه. كانت منكفئة لم أر وجهها. احتجت وقتاً حتى استوعب ما تقول... قلت إنني سأرسلها إلى أهلها يتصرفون معها. - يقتلونني يا سيدي. - تستحقين. - سأقتل نفسي بنفسي. هؤلاء الناس لا أفهم... قلت لها أن تفعل بنفسها ما تريد ولكن بعيداً عن هنا. قالت: حاضر يا سيدي، هو يسافر الصبح وأمشي. تركتها، ما لي وكل هذا، صعدت الى حجرتي. في الصباح قابلت الولد، كان ينتظرني، الحقيبة على ظهره مستعداً للرحيل، يتلفت حوله، يكاد أن يقول شيئاً ولا يقول... أعطيته بقية حسابه وقلت للسائق أن يوصله الى محطة القطار. والبنت ولا خبر عنها واللوحة كما ترون... لقد وضع توقيعه بطرفها.