خضعت التسريبات الصحافية عن عزم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على الاستقالة تحت ضغط تردي الأوضاع في العراق والمنافسة الداخلية الحادة مع وزير المال النافذ في حزب العمال غوردون براون، للتهدئة الجبرية عشية اجراء انتخابات فرعية في دائرتين انتخابيتين لاختيار اعضاء جدد في مجلس العموم، وذلك عشية الانتخابات العامة المقررة منتصف العام المقبل. وتصدت الصحف نفسها لتكريس التهدئة ومنع تفاقم "البعد الدرامي" للتسريبات، اذ اشارت الى ان تقرير لجنة التحقيق في اخطاء اجهزة الاستخبارات لجهة تقويم التهديد العراقي، لن يتهم بلير بالتحريض على المبالغة في عرض ازمة امتلاك العراق اسلحة الدمار الشامل. ويتوقع ان تنشر اللجنة التي يترأسها اللورد روبن باتلر تقريرها بعد غد الاربعاء. واوضحت الصحف الصادرة في لندن امس، ان انتقادات اللجنة ستوجه الى مسؤول جهاز مكافحة التجسس في حينه جون سكارليت، اضافة الى المسؤول عن الملف وكبير المستشارين السياسيين لرئيس الوزراء جوناثان باول الذي اقترح على سكارليت في رسالة الكترونية بعثها اليه في ايلول سبتمبر 2002 صياغة فقرة توحي بأن نظام صدام حسين يشكل تهديداً، ما لم يتعرض لهجوم. ووافق سكارليت على هذا الاقتراح. ويبدو ان بلير سيدعم سكارليت الرئيس الحالي لجهاز الاستخبارات الخارجية ام اي 6 في مواجهة الانتقادات، ذلك ان الاخير "يرفض ان يتحول كبش فداء". من جهتها، اكدت صحيفة "اندبندنت اون صنداي" ان تقرير باتلر سيكون "اقل قساوة" من تقرير مجلس الشيوخ الاميركي الذي اتهم الجمعة الماضي وكالة الاستخبارات المركزية سي آي أي بنقل معلومات "مبالغ فيها" او "لا دليل عليها" عن اسلحة الدمار الشامل في العراق. كذلك سار اعضاء في الحكومة البريطانية على طريق التهدئة، ونفوا اي نية لبلير في الاستقالة. وابدى وزير التربية تشارلز كلارك اعتقاده بأن بلير سيبقى فترة طويلة جداً. ووصف التكهنات في شأن رحيل رئيس الوزراء بانها "غبية وغير منطقية اطلاقاً، خصوصاً ان موقفه قوي ولم يتزعزع يوماً". الا ان كلارك اعترف بأن بلير اتسم بالتوتر والعصبية بسبب مشكلات عائلية وتعرض حزب العمال لنكسة في انتخابات البرلمان الأوروبي. "المجازفة الجيدة" ولعل التهدئة منحت بروان وليامس الناطق بإسم رئيس الوزراء الجرأة على القول ان مبدأ العقاب لا يمكن ان ينطبق على بلير في "المجازفة" التي خاضها في الحرب على العراق، "بإعتبار ان النتيجة كانت جيدة بإعتراف الجميع". الا ان ذلك لم يحل دون استمرار سيل الانتقادات من خصومه ومن بينهم المسؤولان السابقان في الاستخبارات الدكتور براين جونز وجون موريسون. وقال جونز ان بلير لم يطلع مسؤول التحقيق اللورد هاتون على اي دليل دامغ استند اليه في تأكيد امتلاك العراق اسلحة دمار شامل، "على رغم اعلانه انه يملك كماً هائلاً من وثائق الادانة، كما انه لا يمكن في اي حال من الاحوال تصديق الادعاء بأن خبراء في الاسلحة البيولوجية والكيماوية زودوا اجهزة الاستخبارات معلومات في شأن الاسلحة العراقية في الفترة الممتدة من نهاية حرب الخليج الاولى وصولاً الى الحرب على العراق". اما موريسون فاتهم بلير بتخطي التقارير الصادرة عن الخبراء التي اكدت ان كل ما تضمه الترسانة العراقية لا يعدو مخلفات لأسلحة بيولوجية وكيماوية، خصوصاً بعد حرب الخليج الاولى، الامر الذي لا يجعل صدام حسين مصدر تهديد كبير.