ريّح نفسك وأبعد المنبه عن سريرك    "الزكاة" تحدد معيار المنشآت المستهدفة بتطبيق الفوترة الإلكترونية    منتدى الجوف الزراعي يكرم 10 مزارعين    البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي لإنهاء معاناة الفلسطينيين    «إكس» تستعد لإطلاق تطبيق Grok للجوال    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته في العالم.. وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 26 إلى لبنان    نيابةً عن سمو وزير الرياضة.. معالي النائب يتوّج الفائزين في سباق "سال جدة جي تي 2024"    التحكيم.. وما أدراك ما التحكيم!!    في إنجاز سعودي جديد.. الفيفا يعلن: ملف استضافة المملكة لمونديال 2034 الأفضل في تاريخ الحدث العالمي    "الجمارك" تحبط تهريب أكثر من 480 ألف حبة كبتاغون    ضبط أكثر من 19 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    رصد ظاهرة الشفق الفلكي الفريدة في سماء منطقة الحدود الشمالية    ينفذها فنانون من 18 دولة.. 60 عملاً فنياً ضوئياً في «نور الرياض»    تأصيل الحرف اليدوية    صيني يأكل موزة ب 6 ملايين دولار    القصة القصيرة في القرآن    «الشؤون الاقتصادية» يناقش برامج الرؤية    طبيب ينصح بشرب القهوة يومياً    «مدني الزلفي» ينفذ التمرين الفرضي ل (كارثة سيول ) بحي العزيزية    أمطار أقل من المعدل .. الأرصاد يصدر التوقعات المناخية لشتاء 1446ه    محافظ النبهانية يرعى حملة التشجير    رؤية تستشرف المستقبل    الفتح يحافظ على صدارة الدوري المشترك للبلياردو في ختام التجمع الثالث    حسين فهمي يكشف اللحظات الأخيرة لوفاة شقيقه    التطورات الإقليمية تتصدر أولويات قمّة «التعاون الخليجي»    ابتداءً من ال6 صباحا..قطار الرياض ينطلق اليوم    أمر ملكي بالموافقة على النظام الأساس لمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون    منارة سياحية    المرأة وحق الوظيفة في المدن الكبرى    نائب أمير الشرقية يطلع على خطط «تعاونية الظهران»    أمير القصيم يستقبل وزير العدل ويكرم الجهات المشاركة بيوم الوطن    قمة وحدة الواقع !    ضرورة ترشيد مسار «النظام العالمي» الجديد...؟!    الهلال يتجاوز الشباب بثنائية في ديربي الرياض    أرسنال يسحق وست هام بخماسية في الدوري ‬الإنجليزي    معرض المخطوطات.. ذاكرة التأريخ    «السدو».. عنوان للتراث الأصيل    السعودية تتألق وتعانق الحداثة والتطور    حزنت على رئيس الأهلي    احذر أمامك مرجف    سورية: «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة تسيطران على غالبية حلب    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال26 إلى لبنان    اليوم العالمي للإيدز.. المملكة تنجح بالوقاية    شخصيات دينية إسلامية تثمن جهود المملكة    ضبط (5) يمنيين في جازان لتهريبهم (100) كيلوجرام من نبات القات المخدر    تركي بن محمد بن فهد يستقبل سفير قطر    "الشؤون الإسلامية" تودع أولى طلائع الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين إلى بلدانهم    "بلاغات الأدوية" تتجاوز 32 ألفًا في شهر واحد    ديوانية الأطباء في اللقاء ال89 عن شبكية العين    مدني الزلفي ينفذ التمرين الفرضي ل كارثة سيول بحي العزيزية    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    بالله نحسدك على ايش؟!    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاكمة صدام ، كيف ؟
نشر في الحياة يوم 01 - 07 - 2004

كان من الطبيعي ان يتخلص الاميركيون من عبء اعتقال صدام حسين ومحاكمته، ليس من قبيل"نقل السلطة"الى العراقيين، وانما لأنهم استجوبوا الرئيس السابق طويلاً وباتوا يعرفون تماماً اذا كان يستطيع ايذاء الولايات المتحدة ام لا، وبما ان ملفه صعب ومعقد ومثير، فإنهم يفضلون ان يتولاه العراقيون الراغبون جداً في ذلك، وها هم قدموه امس كأنه اول"الانتصارات"او اول دلائل مباشرة"السيادة".
منطقي ان يحاكم صدام في اطار عراقي، لكن الحكومة العراقية تخطئ اذ تعوّل على تسلّم الرئيس السابق ومحاكمته لتلميع صورتها وتأكيد فاعليتها واكتساب شرعيتها. وتشاء المفارقة ان تجعل من هذه المحاكمة بداية البدايات لنهج في الحكم يريد ان يطلّق فعلاً اي نوع من"الصدامية"يمكن ان يوصم بها. لا احد يطالبها بالعفو عن صدام او بمسامحته او حتى برحمته، لكن المحاكمة هي المحاكمة وما دامت الحكومة التزمت ذلك فمن مصلحتها ان تلعب اللعبة وفقاً للقواعد والواجبات المعروفة في مثل هذه الاحوال.
التعليقات والتمنيات التي اطلقت، احياناً بلسان مسؤولين عراقيين على صلة بالمحاكمة، لم تعط انطباعاً سوياً. هناك من اعدمه منذ الآن، ولكن حتى لو كان مصيره الاعدام امام محكمة محترمة، فالافضل ان يترك"اعدامه المسبق"للناس فتقول ما تشاء، لا ان يتبرع وزراء ومسؤولون بمثل هذه الاحكام. هناك دول عربية وغير عربية قائمة، لا فوضى فيها او حروب، لكن يعاني فيها القضاء من سمعة لا يحسد عليها. فكيف بالعراق الذي لا يزال يستعيد نفسه كدولة وشعب ومؤسسات.
هذه المحاكمة يجب ان تختلف، بشفافيتها ونفاذ القانون والعدل فيها، عن كل ما شهده العراق من"محاكمات"سابقة بعضها كان نموذجاً للوحشية وبعضها الآخر كان نموذجاً في المهازل. هذه محاكمة يجب ان تكون مهووسة بالانتقام، لان اكثر الانتقام حصل ولم يبق سوى الاقتصاص الجسدي من صدام واعوانه، بل يجب ان تؤخذ ببعدها التاريخي ليبقى منها شيء يتعلمه الشعب العراقي في مواجهة مستقبله. وبهذا المعنى، فإنها ذات علاقة مباشرة مع"تأسيس"الدولة العراقية للمرة الرابعة او الخامسة او العاشرة. ومهم جداً ان يحصل التأسيس الجديد، لا على جثث تسحل او تتدلى من خشبات المشانق او تعرض في الساحات وعلى شاشات التلفزة، وانما على مفاهيم ومبادئ يراد لها ان تسود بعدئذ ليكون سقوط النظام ايذاناً حقيقياً بقيام نظام جديد يستوعب الحقب السوداء ويستمد من دروسها ما يصنع التغيير.
لا شك ان كلاماً كهذا سيثير غضب ذوي ضحايا النظام السابق، فهم تركوا عقوداً يتألمون وحدهم ويعانون القهر والقمع والاضطهاد وحدهم. لكن مشاركتهم هذه المشاعر واسترجاع المأتم الدائم الذي فرضه عليهم صدام كما الوقوف معهم، وهم ينتظرون بقايا احبائهم في المقابر الجماعية، لا تنفي ان الوقت الآن هو للمستقبل. لا يمكن لاي حكومة ان تنصح اولاد الضحايا وذويهم بمواصلة المآتم، لمجرد ان لديها مصلحة في ان يصرفوا اوقاتهم وطاقاتهم على انشطة تقعدهم وتبعدهم عن المشاركة في اعادة بناء البلد. ليس مطلوباً منهم ان ينسوا او ان يغفروا، بل ان يعملوا ليكون لهم دور في"التأسيس"متجاوزين مآسيهم. فالانتقام حاصل، وسيحصل، والمهم كيف سيحصل لئلا تتكرس معه تقاليد توصف بأنها"عراقية"من قبيل ان شيئاً لن يتغير.
الحكومة العراقية على محك بالغ الحساسية، مهمتها منذ امس ان تؤمن اقصى الحماية والرعاية لعدوها، لان محاكمته ستكون علامة فارقة في عهدها ومستقبلها والنظرة الخارجية والداخلية اليها. هناك الكثير من الانطباعات الشعبية بأن صدام لن يصل الى المحاكمة، اي سيصار الى التخلص منه بشكل او بآخر. هذا ممكن طبعاً، بأوامر وايماءات رسمية او شبه رسمية، وحتى من دون اوامر. لكن المحاكمة افضل لمصلحة العراق والعراقيين. وليأت محامون من كل مكان. ما الضرر. طبعاً، ليس 1500، كما يقال، فهذه تظاهرة وليست"هيئة دفاع". واذا صحّ ما قاله وزير العدل لأحد المحامين الاردنيين، فهذا يعني ان احداً لن يتمكن من تولي الدفاع، ولو شكلياً، عن صدام حسين واعوانه. هل تريد الحكومة العراقية فعلاً محاكمة بهيئة الاتهام فقط. اذاً فهي اصدرت الحكم مسبقاً ولا داعي للمحاكمة. ما يعني عودة الى محاكم ما بعد الانقلابات المعروفة، وبالتالي ترسيخاً ل"التقاليد"التي يراد التخلص منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.