بعد ستة أيام على معركة تشكيل حكومة انتقالية وتعيين رئيس لها ورئيس للجمهورية ونائبين له، وباستثناء اتهامات ب"التآمر" أطلقها عدنان الباجه جي ضد الذين حاولوا منعه من تسلم الرئاسة، بدأت تظهر ملامح وتفاصيل هذه المرحلة المهمة من تاريخ عراق ما بعد الاحتلال الاميركي. يقول سياسي عراقي طلب عدم نشر اسمه: "كانت المعركة مع مبعوث الأممالمتحدة الأخضر الإبراهيمي قاسية ودفع فيها ثمن مواقفه المسبقة وعدم إلمامه الجيد بالوضع العراقي ومحاولته تطبيق آرائه المسبقة". وتشير مصادر مطلعة الى ان الأحزاب الشيعية استشعرت بالخطر من خطاب تبناه الإبراهيمي منذ فترة تجاهها، فهو حرص في كل مرة على الحديث عن ضرورة استبعاد هذه الأحزاب من الحكم. واعتبرت هذه الاحزاب أنها مستهدفة في هذه السياسة فالتنظيمات الحزبية المعارضة، باستثناء الأكراد، هي من الشيعة أما الزعامات السنية فغالبيتها مستقلة ولا تنتمي إلى حزب. ودفعت تصريحات الابراهيمي الاحزاب الشيعية الى الاستنفار سياسياً، بعدما اعتبرتها "استفزازية". وقاد المعركة، او حرض عليها بدرجة كبيرة، أحمد الجلبي زعيم "المؤتمر الوطني العراقي" وصديق وزارة الدفاع الاميركية بنتاغون. ومن خلال تحالف سري أبرم بين الاحزاب الشيعية ومعها الحزبان الكرديان الرئيسان وكذلك "الحزب الإسلامي العراقي" سني "طُبخ فخ وقع فيه الإبراهيمي"، بعدما استدرج الشهر الماضي الى ربط تشكيل الحكومة الانتقالية باستشارة مجلس الحكم، كما هو منصوص عليه في الدستور الموقت. وعندما التأم مجلس الحكم كانت الاوراق وزعت، اذ نقل الجلبي الى الاميركيين ان المرجع الشيعي علي السيستاني بارك اختيار واحد من اربعة مرشحين للشيعة لمنصب رئيس الوزراء هم: عادل عبد المهدي واحمد الجلبي وابراهيم الجعفري واياد علاوي، فيما استبعد اسم مهدي الحافظ وهو شيعي ليبرالي ومساعداً للباجه جي، على رغم كونه شخصية مرموقة تحظى بمكانة دولية، وكان يشغل حقيبة التخطيط والتعاون الدولي. وقبل ان يتلقى مرشحون آخرون لرئاسة الوزراء اتصالات من مكتب السيستاني تنفي مباركته أي لائحة مرشحين، اختار مجلس الحكم علاوي، فيما فوجئ الابراهيمي بعدما كان يفترض به ان يوافق على اي تعيين. وتقول مصادر مطلعة ان الاحزاب الشيعية اخطأت في حساباتها، بسبب اعتراضها على الباجه جي كما اخطأ الأخير في رهانه على الابراهيمي. وكان سبب الاعتراض ان الاخير محاط بمجموعة من الليبراليين الذين لا يريدون اعطاء دور للشيعة، وأنه كان "مطواعاً" اكثر من اللازم في يد الابراهيمي الذي كان يستميله بالمديح، منادياً اياه "استاذي ومعلمي"، باعتباره اقدم منه في سلك الديبلوماسية. وانضم الأكراد بسهولة الى معركة انتخاب غازي الياور كمنافس للباجه جي، باعتبار ان الأخير قومي عربي لا يحبذ مثل الإبراهيمي الفيديرالية في العراق. ويضيف المصدر السياسي ذاته: "الإبراهيمي عين مع الاميركيين 16 وزيراً واستبعد أي قريب من الجلبي، في وقت يتحدث المنتقدون عن تأثير زواج ابنة الأول من احد أفراد الأسرة الهاشمية الأردنية في قراراته". ويتابع ان "الحقيقة ان الباجه جي كان يمكن ان يكون اكثر ليونة واستجابة لمطالب الشيعة لو انتخبوه. اما الشيخ غازي الياور فهو لن يهادنهم ولن يستطيعوا ان يفرضوا رأيهم عليه".