تتواصل حركة البيع والشراء في سوق الخضار في بغداد بطريقة تكاد تكون ملفِتة للنظر، وكأن شيئاً لا يحدث في العاصمة من اضطرابات للأوضاع الأمنية. أناس بسطاء امتهنوا البقالة لكسب عيشهم ينتشرون هنا وهناك، معظمهم من الأطفال وبعضهم من النسوة. لكن حيوية السوق تعكس الطلب القوي الذي يشكّله اقبال العراقيين على شراء الخضار والفواكه، التي تعتبر أرخص ثمناً من اللحوم وأكثر مناسبة لجيوب أرباب الأسر. في الوقت الذي تُطرح فيه خلال موسم الصيف في العراق أنواع مختلفة من الفواكه والخضار، تشهد أسواق الخضار تفاوتاً واضحاً في الأسعار، من منطقة إلى أخرى، حيث يعتمد سعر السلعة على منطقة زراعتها والموسم الذي تُزرع فيه. كما تتباين الأسعار بين المنتجات المحلية والمستوردة. ويستمر التفاوت في الأسعار إلى أن تنخفض درجة الحرارة التي تسبّب تلفاً لغالبية المحاصيل، وتدفع الباعة إلى فرض زيادة مسبقة على أسعار مبيعاتهم. ويقول البقال حكمت الخزرجي:"هناك خضر موسمية وأخرى تُحصد في موسم معين وتتوافر بكثرة، ما يحتم بيعها بأسعار منخفضة. لكن أسعارها تعاود الارتفاع في غير موسم حصادها لقلة كمياتها. فمثلاً محصول البندورة يُباع سعر الكيلوغرام منه في موسم الصيف ب100 دينار. لكنه قد يصل إلى 500 دينار الدولار يساوي 145 ديناراً في فصل الشتاء، عندما تجري زراعتها في البيوت الزجاجية. ومثلها المشمش، الذي يُباع رخيصاً لمدة شهرين، لكنه يُزرع بكميات قليلة في مناطق الفرات الأوسط. لذا تشهد مدة بيعه ارتفاعاً مضطرداً في سعره إلى أن يختفي من السوق". ويختلف سعر السلعة الواحدة من الخضار من منطقة إلى اخرى. فالبامية الحسيناوية التي تُزرع في محافظة بابل، أرخص سعراً من تلك التي تُزرع في بغداد والتي تُسمى ب"البتراء". كذلك فإن البصل الذي يُباع ب130 ديناراً ويُزرع في محافظتي النجف وكربلاء، لا يشبه البصل الذي يأتي من محافظات الشمال والذي يكون أغلى سعراً وأطيب طعماً. ومثلما أثّرت الأوضاع الأمنية سلباً في أسواق الخضار والفواكه، وسبّبت ارتفاعاً نسبياً في الأسعار، كذلك فإن أنواع الخضار والفواكه المستوردة والاقبال الشديد عليها أثرا في أسعار الأنواع المحلية وأصابا مبيعاتها بكساد واضح. فالبطيخ الموصلي يُباع ب150 ديناراً للكيلوغرام الواحد، في حين يُباع البطيخ الايراني بما بين 200 و300 دينار للكيلو. ومثله التفاح المحلي الذي يُباع بما يراوح بين 75 و100 دينار، بينما يُباع المستورد ب450 إلى 600 دينار. ويقول البقال ستار عبدالله الضاري:"بعدما كان الموز الصومالي والتفاح السوري والبطيخ الأردني يغزون السوق، أصبح البطيخ والتفاح والبصل الايراني هم المسيطرون على السوق، ما أثّر في الأنواع المحلية، وهو ما كان ممنوعاً سابقاً"، مشيراً إلى ان الكثيرين من المواطنين يلجأون إلى شراء الخضار المستوردة"لنظافتها والثقة في عدم تلوثها"، حتى لو كانت بأسعار مرتفعة. ويؤكّد عدد من الفلاحين أن أسعار منتجاتهم تضاعفت مرتين بعد الحرب الأخيرة، بعد انعدام الدعم من وزارة الزراعة، ما جعل الفلاح يعتني بشؤون محاصيله على حسابه الخاص، بالإضافة إلى ارتفاع سعر العمولة التي يتقاضاها تاجر الجملة من بائع المفرد من ستة في المئة إلى ثمانية في المئة، بعد انعدام الضوابط والقيود وغياب الرقابة القانونية. ويشرح الفلاح سلمان ناجي، الذي يملك بساتين لزراعة الحمضيات والنخيل في محافظة بعقوبة، أسباب ارتفاع أسعار الفواكه والخضار في العاصمة بغداد، بالقول ان"ارتفاع أجور النقل، والخوف من نقل المحاصيل بين المحافظات نتيجة الأوضاع الراهنة، يُضاف إليها ارتفاع أسعار الوقود، كلها عوامل تتسبّب بشكل مباشر أو غير مباشر بارتفاع أسعار الخضار، ما يلحق الضرر الأكبر بالمستهلك". وأشار إلى ان سعر الكيلوغرام من الخيار يُباع مثلاً لتجار الجملة ب100 دينار، فيبيعونه بدورهم إلى تجار المفرد ب150 إلى 200 دينار، وهؤلاء يرفعون سعره إلى الضعفين، ليصل إلى المواطن ب 250 إلى300 دينار. ويقول علي الخزرجي، صاحب سيارات لنقل المحاصيل من المزارع والبساتين إلى سوق الجملة ومحلات بيع المفرد:"تتفاوت أسعار النقل بحسب مسافة النقل إذا كان الزبون من تجار الجملة، وبحسب الحمولة في حال بيعها للبقال المفرد". وعن تصدير الفواكه والخضار العراقية إلى دول الجوار، قال محمد مجيد الزوبعي، صاحب محلات للبيع بالجملة:"تحتل التمور رأس القائمة، حيث يتم تصديرها إلى سورية والأردن، ومنها إلى مختلف دول العالم، تليها الحمضيات في الدرجة الثانية، ثم البندورة فالبصل والثوم". وأضاف:"أما بالنسبة إلى محصول الكمأة الذي كان يُصدّر منه 80 في المئة ولا أحد يعرف السبب، فلم يصدر شيء منه هذا العام، إذ لم يكفِ انتاجه الاستهلاك المحلي". ويرى خبراء في السوق العراقية ان تجارة الفواكه والخضار لم تتأثر كثيراً بسبب الأوضاع الراهنة على رغم ارتفاع الأسعار، ذلك ان المواطن لايمكنه الاستغناء عنها في سلته الغذائية. لكنهم يعزون ركود بعض السلع في فترات معينة إلى سوء التسويق وعدم التوازن بين الأنواع المستوردة وما يتم زرعه في العراق من محاصيل.