نشأت فكرة الحوار العربي - الأوروبي كتجربة رائدة في العلاقات الدولية إثر حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 والتي امتدت آثارها الى أوروبا فكشفت عن مدى ترابط الأمن الأوروبي بأمن الوطن العربي والعلاقة الوثيقة بين المصالح المشتركة للجانبين، فأصدرت المجموعة الأوروبية بياناً في 6 تشرين الثاني نوفمبر 1973 أظهرت فيه اتجاهاً جديداً في سياستها إزاء مشكلة الشرق الأوسط يتسم ببعض التوازن على رغم عدم كفايته. رحبت الدول العربية آنذاك بهذه المبادرة التي رأت فيها تحسناً في الموقف الأوروبي من قضية فلسطين بعد الانحياز التام لإسرائيل، على رغم عدم وضوح بعض النقاط الواردة في البيان المذكور، فاتخذت موقفاً موحداً تمثل في البيان الذي اصدرته على مستوى مؤتمر القمة العربي السادس في الجزائر في 29 تشرين الثاني 1973 وأعربت فيه عن اهتمام العرب ببوادر التفهم لموقفهم... واستعدادهم للتعاون لإرساء السلام العادل في المنطقة. وتوالت الاتصالات بعدئذ بين الدول العربية والمجموعة الأوروبية ولكن سرعان ما برزت في حينه عقبات تمكن الجانبان من التغلب عليها إلا ان هذا ترك اثراً سيئاً في سير الحوار. كانت اولى العقبات رفض الجانب الأوروبي اشتراك اعضاء من منظمة التحرير الفلسطينية في الوفد العربي، والعقبة الثانية توقيع المجموعة الأوروبية اتفاقية تجارية مع اسرائيل في 11/5/1975 تتمتع اسرائيل بموجبها بأفضلية جمركية مما أثار استياء العرب، ومع ذلك وافقوا على عقد الاجتماع الأول للخبراء في اليوم العاشر من حزيران يونيو 1975 في القاهرة حيث صدرت مذكرة مشتركة نصت على ان "الحوار العربي - الأوروبي حصيلة ارادة سياسية مشتركة انبثقت من اعلى المستويات بهدف إقامة علاقة خاصة بين الجانبين"، كما نصت على ان الأبعاد السياسية في الحوار هي في جوهرها محاولة اكتشاف وتجديد وتنشيط الروابط التي تؤثر في المنطقتين المتجاورتين والرغبة في إزالة سوء التفاهم الذي ادى الى مصاعب في الماضي والعزم على إقامة قواعد للتعاون المقبل في مجالات الزراعة والتنمية الريفية والتصنيع والبنية الأساسية، وكذلك التعاون المالي والتجاري والتعاون العلمي والتكنولوجي، وأيضاً المسائل الثقافية والاجتماعية والعمالية. وعندما عقد الخبراء اجتماعهم الثاني في روما في 22/7/1975 والثالث في ابو ظبي في 22/11/1975 كان قد حدث بعض التقدم في "البحث" المتعلق بمجالات التصنيع وهياكل البنية الأساسية والزراعة والتنمية الريفية وكذلك التعاون الثقافي والحضاري والتعاون في مجالات البحث العلمي والتكنولوجي، إلا انه لم يحدث اي تقدم يذكر في بعض الجوانب الخاصة بنقل التكنولوجيا والتعاون المالي ومسائل العمل والتجارة. وبعد ان حققت اجتماعات الخبراء على الصعيد الفني هدفها دخل الحوار العربي - الأوروبي مرحلة جديدة بعقد الاجتماع الأول للجنة العامة في لوكسمبورغ في الفترة من 18- 21 ايار مايو 1976 للبحث في المسائل السياسية، وظن الجانب العربي انه حقق ما اراد، من حيث انه تم التأكيد على انسحاب اسرائيل من الأراضي المحتلة والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وعقدت اللجنة العامة بعدئذ اجتماعها الثاني في تونس في الفترة من 1 الى 3 شباط فبراير 1977 ثم اجتماعها الثالث في بروكسيل في تشرين الأول 1977 ثم اجتماعها الرابع الأخير في دمشق في كانون الأول ديسمبر 1978 حيث جرى تأكيد القرارات السياسية السابقة والتوصل الى بروتوكول ينظم تفضيل الأيدي العاملة والإنفاق على احد عشر مشروعاً ونشاطاً مشتركاً يتم دراستها او تنفيذها، كما اتفق على دراسة المركز العربي الأوروبي لنقل التكنولوجيا تمهيداً لتحديد اسس اقامته كمؤشر رئيسي للتعاون العربي الأوروبي، إلا ان اياً من هذه القرارات لم يتحقق تنفيذه عملياً فأعرب الجانب العربي عن عدم رضاه عن التقدم الذي حققه الحوار... وعلى أثر ابرام اتفاق كامب ديفيد في ايلول سبتمبر 1978 توقف نشاط الحوار العربي - الأوروبي الى ان قرر وزراء خارجية الجانب الأوروبي في 20/11/1979 استئناف الحوار على المستوى الفني فعادت الاتصالات من جديد، كما ان المجلس الأوروبي لرؤساء الحكومات المنعقد في البندقية في حزيران 1980 اكد هو الآخر ضرورة متابعة الحوار والعمل على نجاحه وبعث النشاط فيه مع التأكيد على إشراك منظمة التحرير الفلسطينية في اية عملية سلام. ورحب مؤتمر القمة العربي الحادي عشر المنعقد في عمان في تشرين الثاني 1980 بهذه المبادرة، وأقدم الجانب العربي على تأليف اللجنة التساعية من الكويت والأردن والجزائر والسعودية وسورية والعراق وفلسطين ولبنان والمغرب لاتخاذ موقف عربي موحد وتحديد المطالب العربية التي من اهمها الى جانب المواضيع السياسية القومية الثابتة: - ضمان وحماية استثمار الأموال العربية. - اقامة المشاريع المشتركة بين الجانبين. - فتح الأسواق امام البضائع العربية وتسويق السلع الزراعية للمغرب العربي. - التعاون في تصنيع الإنتاج الزراعي العربي. - حماية العمالة العربية في اوروبا. - نقل التقنية المتطورة للأقطار العربية. - دراسة مسألة الطاقة وكيفية التعامل بين الدول العربية وأوروبا في شأنها. وعلى رغم ذلك تعرض الحوار العربي الأوروبي لمصاعب جديدة على صعيد الحوار نفسه او بسبب ما قيل انه ضغوط اسرائيلية على اوروبا لمنع العرب من الحصول على التكنولوجيا المتطورة او اي مكسب آخر من طريق التعاون بين المال العربي والعقل الأوروبي. وهكذا نجد ان كل هذه السنين مضت من دون ان يحقق الحوار نتائج ملموسة او يسجل تقدماً مهماً، ولكن على رغم ذلك ما يزال الخبراء يعتقدون انه ضرورة مستقبلية وأن الجهد المبذول فيه يسير مع حركة التاريخ، وأن فرص النجاح امامه متوافرة اذا ما تهيأ له المناخ الصالح والمناسب، وأن العقبات والصعاب التي تعترضه ترجع اساساً الى حداثة عملية الحوار المتشابكة الواسعة النطاق ذات الاحتمالات البعيدة المدى، ولأن مدلول "الحوار" نفسه يتضمن معنى العمل المتواصل الذي لا شك في انه يتميز بالنفس الطويل والاستمرار كما انه يختلف عن اسلوب التفاوض وطبيعته. وانطلاقاً من وجهات النظر هذه بقيت الجامعة العربية وجهات عربية عدة تؤمن بأهمية الحوار وتعمل من اجله، ولا غرو ان كان الحوار من الموضوعات المطروحة على مؤتمر القمة العربي الثاني عشر في فاس والاجتماع الذي اعقبه لوزراء الخارجية العرب في تونس وعدد من المؤتمرات التي عقدت ومنها مؤتمر البرلمانيين العرب والأوروبيين في بون وكذلك المؤتمر الذي عقد في عمان برئاسة الأمير الحسن ولي العهد آنذاك واشترك فيه نخبة من المفكرين والاقتصاديين والسياسيين العرب والأوروبيين. إلام انتهى الحوار ظل الحوار يتأرجح كلما لمح عدد من المسؤولين الى ما يلاقيه من صعوبات. واتجه النظر الى ان دور الشركات والقطاع الخاص بصورة عامة سيكون مهماً عند تنفيذ اي مشاريع يتم الاتفاق عليها وخصوصاً في مجال نقل التكنولوجيا. ومع ان الحوار كان يعاني من العقبات التي تعترضه فقد بقيت المجموعة الأوروبية تحاول اجراء حوار متعدد الأطراف مع دول عربية متفرقة لتفادي أي ضغوط عربية مشتركة، فكانت هناك محاولات حوار أوروبي - خليجي سنعود اليه بالتفصيل في ما بعد وآخر أوروبي مع الدول العربية في الشمال الأفريقي وهكذا. وظلت المسافة شاسعة بين الموقفين العربي والأوروبي، خصوصاً في الميدان السياسي، بل في ما بين البيانات الأوروبية المعلنة والمواقف الفعلية تم الاتفاق وصدر قرار من المؤتمر الصناعي الخليجي الثالث الذي عقد في عمان قبل أقل من عقد من الزمان بإقامة مركز لنقل التكنولوجيا في مسقط لكنه لم ينفذ حتى الآن. كما ان التعاون في الميدان الاقتصادي لم يحقق للجانب العربي أهدافه الأساسية في تعزيز التنمية والتكامل والتحرر الاقتصادي واختبار المدخل الملائم لخلق علاقات متكافئة. ورأت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في حينه ان تعهد الى الغرف العربية الأوروبية المشاركة في الحوار لتكون من الأجهزة الرسمية الممثلة للقطاع الخاص، لكن هذا أيضاً لم يتحقق! ثم كان ان عقدت أول قمة اقتصادية عام 1980/ 1981 مما رفع من مستوى معالجة القضايا الاقتصادية العربية الى مستويات عليا، وكان يمكن أن يكون ذلك لو تحقق بداية تحول تاريخي مهم في ميدان العمل الاقتصادي. وكان السؤال المطروح في هذه المرحلة هو ماذا يجب أن نعمل؟ ولكن القليل وأقل من القليل دار حول كيف يجب أن نعمل؟ وانتهى الحوار عملياً بعد حربي الخليج الأولى والثانية وما أحدثته، خصوصاً الثانية من تمزق في النسيج العربي وانقسام بين الدول العربية ظهر علناً بعد أن كان يظهر على استحياء ويختفي. ولا بد من الاشارة هنا الى أنه من بين الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بلجيكا، هولندا، ولوكسمبورغ لم يكن لغير فرنسا وايطاليا علاقات ذات شأن بمجموع الدول العربية لأن معظم هذه العلاقات كان مع بعض هذه الدول كالمغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، سورية ولبنان... أما علاقات الاتحاد مع الدول العربية الخليجية مثلاً فلم تكن مدرجة على جدول أعماله لأن الصلة التاريخية بين الطرفين لم تكن قائمة. واتجه مركز اهتمامات الدول الست المؤسسة للاتحاد الى شرق أوروبا أو دول حلف وارسو كما كانت تعرف، ونتج من ذلك أمران: الأول تقارب كبير على مستوى وجهات نظر الشراكة الفرنسية - الألمانية، والثاني تقارب سياسي وعسكري أوروبي مع الولايات المتحدة الأميركية. أما نمو صلات التقارب بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي فلم يولد اهتماماً أوروبياً بمنطقة الخليج على رغم علاقات المملكة التاريخية مع هذه الدول، ويبدو ان هذه الأخيرة فضلت أن تكون لها "سياساتها المستقلة" مع هذه المجموعة لأسباب سياسية وتاريخية معاً. وحين انضمت اسبانيا والبرتغال واليونان الى الاتحاد الأوروبي نجحت هذه الدول في وضع العلاقات الأوروبية - العربية على جدول أعمال الاتحاد بسبب علاقاتها الخاصة بهذه الدول العربية، وربما بسبب مشكلات قديمة خاصة بالهجرة غير الشرعية من دول الشمال الافريقي. ومرة أخرى ينصرف التوجه الأوروبي باتجاه الدول العربية التي تطل على البحر الأبيض المتوسط من دون غيرها. وفي الوقت الذي سعت فيه سياسات الاتحاد الأوروبي من خلال اتفاقيات برشلونة الى أن تصبح دوله الشريك المباشر المانح للمساعدات، ظهرت الحاجة الى حتمية اعادة بناء اقتصاديات الدول العربية المطلة على البحر المتوسط حتى لا يفكر مواطنوها في الهجرة غير المشروعة الى دوله... الى جانب ذلك اشتملت اتفاقات برشلونة على ميادين اخرى مثل: التجارة الحرة والعلاقات السياسية وحقوق الانسان. وهكذا أهمل جانب الدول الخليجية مرة أخرى. ويمكن قياس هذا الاهمال باستعراض المؤشرات التي وضعتها المفوضية الأوروبية للدول العربية المطلة على حوض البحر المتوسط مقارنة بما وضعته الدول الخليجية في ما يتعلق بموازنات المساعدات والقوة البشرية. فقد تقرر منح الدول العربية المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط مساعدات قدرها 5 بلايين اكيوس وكان الاكيوس هو الوحدة الحسابية التي كان يستخدمها الاتحاد الأوروبي قبل أن يصبح اليورو عملته النقدية الموحدة... كل دولة من هذه الدول لديها سفير معتمد من جانب الاتحاد الأوروبي، وكل منها خصص فرقة للادارة مهمتها مراقبة أوجه الانفاق التي تذهب اليها المساعدات، كما ان لكل دولة في بروكسيل فريقاً من مسؤولي الاتحاد يمثلهم ضابط اتصال على مستوى الحكومات العربية، تشرف عليهم جميعاً هيئة من الاستشاريين مهمتهم الاشراف على اتفاقات برشلونة كوحدة واحدة. اضافة الى ذلك هناك الاجتماعات السياسية والاقتصادية الدورية التي تجمع بين ممثلي الاتحاد الأوروبي والدول العربية الموقعة على هذه الاتفاقات. * اقتصادي عربي مقيم في لندن