- 1 - وا مُحَمَّدَاه أول الأصوات النسائية الإسلامية المستغيثة، هو صوت المرأة الأنصارية المسلمة، التي غدر بها يهود، في سوق بني قينُقاع، فصاحت: وا مُحَمَّداه، وجاءها الجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبيك. جاء في الجزء الثاني من سيرة ابن هشام: "قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عَبْدُاللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ يَهُوْدِ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ لَهَا، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَتْ فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا، فَلَمّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا، فَضَحِكُوا بِهَا، فَصَاحَتْ: "وا مُحَمَّدَاه". فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغِ اليَهُوْدِيّ فَقَتَلَهُ، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ فَوَقَعَ الشّرّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُاللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنُ سَلُولَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيّ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، قَالَ: فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: أَرْسِلْنِي، وَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلاً، ثُمّ قَالَ: وَيْحَك أَرْسِلْنِي، قَالَ: لا وَاللّهِ لا أُرْسِلْك حَتّى تُحْسِنَ فِي مَوَالِيّ أَرْبَعَ مِئَةِ حَاسِرٍ وَثَلاثُ مِئَةِ دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، إنّي وَاَللّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: هُمْ لَك. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى المدينةالمنورة فِي مُحَاصَرَتِهِ إيّاهُمْ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ مُحَاصَرَتُهُ إيّاهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. وبعد ذلك أمرَهم رسول الله صلى الله عليهم وسلم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه فيها، فخرجوا إلى أذرعات في الشام التي تُسمى حالياً: درعا، ولم يلبثوا في الشام حتى هلك أكثرهم وتشتتوا في البلدان، وكان عددهم سبعمئة رجل، وهم رهط عبدالله بن سلام. - 2 - استغاثة مسلمة سندية انتشر الإسلام في الهند منذ القرن الأول الهجري، وفي خلافة الوليد بن عبدالملك بن مروان الأموي أرسل ملكُ جزيرة الياقوت سرانديب، سيلان، سريلانكا سفينة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراقين، مُحمَّلة بالتحف والهدايا من الدر والياقوت والجواهر الثمينة والعبيد، مع نسوة مسلمات وُلدن في بلاده مسلمات ومات آباؤهن، فأراد ملك سرانديب التقرب بهذا العمل إلى الخلافة الإسلامية الأموية. وكان هدف النساء المسلمات زيارة الكعبة المشرفة، وهبت رياح عاتية فقذفت بالسفينة إلى سواحل مدينة الديبل على ساحل ماء السند، والتي تبعد 50 كم جنوب شرقي كراتشي الباكستانية. وحينذاك هاجم قراصنة الديبل السفينة، وقتلوا بعض ركابها وبحارتها، وأخذوا الباقين من النساء والرجال والأطفال أسرى، فصاحت امرأة من بين الأسرى: يا حجاج يا حجاج أغثنا أغثنا، وفرَّ بعض البحارة والتجار من السفينة، وجاء أحدهم إلى الحجاج في مدينة واسط العراقية، وذكر له ما حدث، وذكر له استغاثة تلك المرأة المسلمة به، فقال الحجاج: لبيك لبيك. وأرسل الحجاج عبدالله بن نبهان السلمي لفتح الديبل فاستشهد، ثم أرسل بديل بن طهفة البجلي بثلاثة آلاف فاستشهد، فحزن الحجاج، وأرسل جيشاً بحرياً وجيشاً برياً لفتح السند بقيادة محمد بن القاسم الثقفي الذي كان عمره آنذاك سبعة عشر عاماً، وشارك في ذلك الجيش ستة آلاف مقاتل من أشراف الشام وأبنائهم إضافة إلى جيش العراق، وانطلق الجيش البري من العراق إلى شيراز، فلما وصلها عسكر بظاهرها. وعُزِّزَ الجيش البري بجيش بحري، وكتب إلى محمد بن القاسم أن ينتظر وصول السفن إلى الديبل، وبعد استكمال الاستعدادات في شيراز ووصول ستة آلاف فارس وثلاثة آلاف بعير لحمل الأثقال والعتاد انطلق محمد بن القاسم ومعه اثنا عشر ألف مقاتل إلى الشرق حتى وصل مدينة مكران، فأقام بها أياماً، ثم توجه منها إلى فنزبور، ثم إلى أرمائيل، وهناك وصلت السفن. وتقدم المسلمون براً وبحراً بقيادة محمد بن القاسم الثقفي، وفتحوا مدينة الديبل، وتوجه محمد بن القاسم الثقفي إلى السجن الذي ضم الأسرى المسلمين فحررهم، وأرسلهم إلى الحجاج، وأرسل معهم مجموعة قراصنة الديبل، فأعدمهم الحجاج القراصنة، وأكرم المسلمين. ثم فتح ابن القاسم مدينة نيرون وموقعها الآن حيدر آباد وحصن سيوستان وحصن سيويس، ثم عاد إلى نيرون. وبعد استراحة قصيرة وصلت نجدة عسكرية من الحجاج، فسار ابن القاسم إلى منطقة جيور، ثم دارت المعارك، وفي اليوم السابع هرب جيش الملك داهر، فتقدم منه عمرو بن خالد الكلابي فعلاه بسيفه وقضى عليه، ثم فتح المسلمون حصن راؤر، ثم فتحوا مدينة دهليله، وبرهمناباذ. ثم واصل محمد بن القاسم جهاده ففتح الكثير من المدن، وكان أهمها مدينة ملتان، وهي أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه، ووصلت الفتوحات إلى حدود كشمير، واستطاع المسلمون أن يخضعوا السند لحكم الخلافة الإسلامية في مدة قصيرة، بين سنة 89ه/ 708م وسنة 94ه/713 م. للمزيد من المعلومات أنظر: كتاب فتح الديبل والسند للدكتور شوقي أبو خليل، وكتاب قادة فتح السند وأفغانستان لمحمود شيت خطاب. - 3 - فكاك الأسرى أغار الروم البيزنطيون على الثغور الشمالية لبلدان الخلافة الإسلامية الأموية، ووقع بعض المسلمين في الأسر، وكان ذلك في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز، فبعث إليهم عبدالرحمن بن عمرة لفكِّ أسرهم وقال له: أعطهم لكل مسلم ما سألوك!! فوالله لَرَجُلٌ من المسلمين أحبُّ إلي من كل مُشركٍ عندي! إنك ما فاديت به المسلم فقد ظفرت به! إنك إنما تشتري الإسلام. أنظر سنن سعيد بن منصور، رقم: 2822. وكتب الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز إلى الأسرى المسلمين رسالة جاء فيها: أما بعد" فإنكم تعدون أنفسكم الأسارى، ومعاذ الله بل أنتم الحبساء في سبيل الله، واعلموا أني لست أقسم شيئاً بين رعيتي إلاّ خصصت أهلكم بأكثر ذلك وأطيبه، وأني قد بعثت إليكم فلان بن فلان بخمسة دنانير، ولولا أني خشيت أن يحبسها عنكم طاغية الروم لزدتكم، وقد بعثت إليكم فلان بن فلان يفادي صغيرَكم وكبيرَكم وذكرَكم وأُنثاكم، وحُرَّكم ومملوكَكُم، بما يُسأل به فأبشروا، ثم أبشروا والسلام، رواه ابن النحاس في كتابه مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق، ج 2، ص: 831-832. - 4 - وا غوثاه يا حكم انتصر العباسيون على الأمويين سنة 132ه/ 750م، وفي سنة 139ه/ 756م دخل إلى الأندلس عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك بن مروان بن الحكم الأموي، وأقام خلافةً أموية في الأندلس، وسمي عبدالرحمن الداخل، ولُقّب: أقام صقر قريش . وفي سنة 180ه/ 796م آلت الخلافة إلى الحكم الأول بن هشام الأول بن عبدالرحمن الداخل الأموي القرشي، وكان أبوه عهد إليه بولاية العهد، وكان يلقب بالربضي لموقعة كانت له معه مع أهل الربض، وهي ضاحية من ضواحي قرطبة تقع على الضفة الجنوبية من نهر الوادي الكبير. ولما قامت ثورة سكان الربض واشتغل بإخمادها الخليفة الحكم الأول بن هشام الأول، استغلت ظروف الفتنة مملكتا استوريا وجليقة، فأغارتا على ديار المسلمين الأندلسية وقُتِلَ الكثير من الرجال، وأُسرت النساء، وصرخت إحدى السبايا المسلمات: وا غوثاه بك يا حكم. وتناقل الناس تلك الاستغاثة حتى وصلت إلى عباس عامل الخليفة فرفعها إلى حاكم قرطبة الحكم الأول بن هشام الأول فقال: لبيكِ. ورثى الْحَكَمُ الأولُ لحال المسلمين، وحمي لنصر الدين، وأمر بالاستعداد للجهاد، وخرج غازياً، فأوغل في بلاد العدو، وافتتح الحصون وهدم المنازل، وقتل كثيراً، وأسر كذلك، وقفل إلى الناحية التي كانت فيها المرأة فحررها وحرر قومها، وخلص إلى الأسيرة المسلمة، وقال لها: هل أغاثك الحكم يا أختاه؟ فانكبت الأسيرة تقبل رأسه، وهي تقول: والله، لقد شفى الصدور، وأنكى العدو، وأغاث الملهوف، فأغاثه الله، وأعز نصره.