قرأنا، باهتمام بالغ، مقال الدكتور علي جمعة "حول ظاهرة العنف العشوائي والأعمى في بلادنا"، "الحياة" في 26/5/2004. فتوقفنا عند كثير من مقولاته، واخترنا ثلاثاً منها للمناقشة، تحت العناوين الثلاثة الآتية: 1- الاسلام... دين الرفق أم دين العدل؟ 2- السواد الأعظم... هو الأكثرية أم أهل الحق؟ 3- في العنف وحرمة دم المسلم. 1- الاسلام... دين الرفق أم دين العدل؟ ان القيمة الكبرى أو المركزية أو المحورية أو الموجهة لسلوك الانسان في المجتمع المسلم ليس "الرفق"، بل هي "العدل"، العدل الذي هو وضع الامور في نصابها، وإعطاء كل ذي حق حقه. ويلاحظ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي ان "العدل في الاسلام ليس مبدأ ثانوياً، بل هو اصل اصيل، وأساس متين يدخل في تعاليم الاسلام وأحكامه كلها، عقائد وشرائع واخلاقاً. وحين أمر الله بثلاثة أشياء، كان العدل اولها. قال الله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى - صورة النحل، الآية 90. وحين أمر الله بشيئين، كان العدل أحدهما. قال الله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل - سورة الأعراف، الآية 29. وحين أمر الله بشيء واحد، كان هو العدل. قال تعالى: قل أمر ربي بالقسط - سورة الشورى، الآية 40. د. القرضاوي: دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الاسلامي، ص 375. 2- السواد الأعظم... هل هو الأكثرية أم أهل الحق؟ ان "السواد الأعظم" هو - كما هو شائع خطأ - أكثرية الناس. ونحن، إذ نستذكر أن القرآن الكريم قد ذم أكثرية الناس في آيات كثيرة مثل وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين سورة يوسف، الآية 103، نقول مع الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي حول الاكثرية المعتمدة او المعتبرة: "الأكثرية التي نتحدث عنها ويؤخذ رأيها، ليست أكثرية المشركين او الذين كفروا من اهل الكتاب او من غيرهم، ولا اكثرية الناس عموماً، انما هي اكثرية خاصة بمجتمع المؤمنين الذين استجابوا لأمر الله تعالى وهدي رسوله، وجعلوا امرهم شورى بينهم" د. القرضاوي: المرجعية العليا للقرآن والسنّة، ص 286. ونحن نرى ان البشرية تستمر بفضل "غريزة القطيع"، ولكنها تتقدم بفضل "القلة المناضلة" من العلماء والمفكرين والمبدعين. وقد جاء في المأثورات: أنت والحق اكثرية، والحق أحق ان يتبع. ويقول احدهم: إن الاخذ بالأكثرية على إطلاقها يعني ان يتغلب احد عشر حماراً على عشرة عباقرة. 3- في العنف وحرمة المسلم لا بد من تحديد معنى العنف لكي نقف على حقيقة موقف الاسلام منه. ثم ننهي بالحديث عن حرية المسلم. فإن للعنف ضربين: الضرب الاول هو العنف السلبي، وهو ظلم الآخرين، او الاعتداء على الآخرين، الاعتداء على انفسهم، أو على عقولهم، او على اعراضهم، او على اموالهم، او على دينهم. فقتل الأنفس عنف، والغزو الثقافي عنف، واغتصاب الاعراض عنف، وأكل الاموال بالباطل بالغش والنهب وما الى ذلك عنف، والفتنة في الدين عنف. ومن ابرز تجليات هذا العنف السلبي: الاستعمار، والاستيطان، والاحتلال، والنهب، والاستغلال، وكبت الحريات، وتدمير البيئة، والفقر او الإفقار. ومن الواضح ان "العنف السلبي" هو العنف الذي يستحق ان يوصف بأنه "ارهاب". والضرب الثاني هو العنف الايجابي: كأن يعاقب الظالم او المعتدي على ما اقترفت يداه من ظلم او اعتداء، وان يمارس الشعب المقاومة وبما في ذلك الكفاح المسلح لاستعادة حقوقه المسلوبة، ومنها الحق في الاستقلال والسيادة وتقرير المصير. والعنف الايجابي هو المطلوب مثلاً في الآية القرآنية الكريمة: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم - سورة الأنفال، الآية 60، وفي الآية القرآنية الكريمة: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا - سورة البقرة، الآية 190. والعنف الايجابي هو المطلوب في قول السيد المسيح عليه الصلاة والسلام: "من لم يكن عنده سيف فليبع ثوبه ويشتر سيفاً". انجيل لوقا، 22:36. وهو المطلوب في قول أبي ذر الغفاري ر "عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه". ومن الواضح ان مثل من يواجه الظلم والعدوان باللاعنف او كما يقال: بالعقل! او بطريقة حضارية ! او بالطرق السلمية!، كمثل ذلك الصحافي الذي هاجمه في الغابة اسد هائج يبغي افتراسه، فما كان من صاحبنا، في سبيل اثبات "حصانته" ضد الافتراس، إلا ان اخرج للأسد "بطاقته الصحافية". وأما عن حرمة المسلم، فلا يجادل احد في وجوب صيانتها شرعاً. ولكن هناك حالات استثنائية يجاز فيها قتل المسلم والضرورات تبيح المحظورات، مثل تمترس العدو بأسارى المسلمين. فقد افتى جمهور فقهاء المسلمين وعلى رأسهم أبو حامد الغزالي، بأنه في حال تمترس العدو بأسارى المسلمين وأطفالهم، يجوز قتل هؤلاء المذكورين اذا كان قتلهم ضرورياً للنيل من العدو، وبحيث يجوز كما قال بعضهم "قتل ثلث الامة استبقاء لثلثيها". د. محمد سعيد رمضان البوطي، ضوابط المصلحة في الشريعة الاسلامية، ص 321 و403 ود. وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته، ج6، ص423. إن المعادل الموضوعي لمقال الدكتور علي جمعة موضوع البحث هو "الاعتذار عن الاسلام" وعلى وجه التخصيص: "الاعتذار عن العنف في الاسلام"، وصولاً الى اعتماد الفتوى بأن الفدائيين الفلسطينيين من حركتي "حماس" و"الجهاد" وبقية حركات المقاومة الذين يقاومون المغتصبين في فلسطينالمحتلة "ما هم إلا قتلة وليسوا استشهاديين". وهي الفتوى التي كان قد اصدرها، في العام الماضي "مفتي" عموم العالم الذي هو الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش! فما رأيكم دام فضلكم؟ دمشق - عبدالوهاب محمود المصري كاتب ومؤلف