هناك بارقة أمل بأن الرأي العام العالمي بدأ يستيقظ الى خطورة ما أتت به وعود الراديكالية المتطرفة بمختلف خلفياتها الايديولوجية وانواعها. كي تكون هذه اليقظة فاعلة فهي تتطلب اجراءات شعبية تعزل التطرف وتسقطه اميركياً، مثل هذه الاجراءات في يدي الناخب الاميركي الذي ابرزت الاستطلاعات الاخيرة ان نصف الاميركيين لا يثق بالرئيس جورج دبليو بوش بعدما اختطفته زمرة المتعصبين داخل الادارة الاميركية وحولها. عربياً، حان الوقت للقاعدة الشعبية كي تستعيد مصيرها من مخالب الراديكالية الاسلامية بوقوفها جهراً ضد ذبح الرهائن في السعودية والعراق واثبات نبذها لشبكة"القاعدة"وامثالها. هذا يتطلب الكف عن تبرير الارهاب وتفسيره والكف عن الدعم السري في قرارة النفس له لاسباب انتقامية. فهذا الصيف يمكن ان يشكل يقظة انتقالية الى وعي شعبي يعيد الاعتدال. انما يمكن أيضاً ان يعزز الاصولية الراديكالية التي تخدم بعضها بعضاً، سهواً وعمداً، حتى وان فتك التطرف بقاعدتها الشعبية. القاعدة الشعبية العربية ستدفع ثمناً باهظاً اذا فوّتت عليها فرصة مقاومة كل من التطرف الدموي للارهابيين وافراط الحكومات في ممارسات"دولة البوليس"لمكافحة الارهاب. كلاهما على حساب التطلعات الى مستقبل مزدهر، ديموقراطي، اصلاحي، حيث للفرد العربي مكانة. قد يكون حان الوقت للتدقيق في ما تقدمه شبكة"القاعدة"وامثالها من برنامج سياسي غير التدمير. التدمير كأرضية لحكم التطرف الاصولي الديني. التدمير على حساب حاضر ومستقبل الشعوب العربية. وربما حان التساؤل عن تلاقي الاصولية الاسلامية المتطرفة والاصولية اليهودية المتعصبة والاصولية المسيحية المهووسة في هذه الحقبة وفي اكثر من مكان ومجال. هل هي صدفة؟ أو أن كل اصولية تريد تطرف الاصولية المضادة لتبرير تطرفها؟ في السعودية، كما في العراق، ومن الولاياتالمتحدة الى اسرائيل، تكشف احداث السنوات القليلة الماضية تلاقياً مدهشاً ومخيفاً لأجندة التطرف العربي الاسلامي الاسرائيلي الاميركي. هناك نوع من المناجاة والمحادثة بين اقطاب التطرف واركانه، وكأنه استدعاء للتطرف ليكون ذريعة لتطرف مضاد. شبكة"القاعدة"تريد انهيار السعودية لتصبح مُلكاً لها حتى وإن ادى الانهيار الى تفكك المملكة والى نصب حكم الراديكالية الاسلامية في جزء منها، الفوضى سلاحها. وزمرة التطرف الاميركي الاسرائيلي تعمل على انهيار السعودية وتفكيكها وتقسيمها عبر الفوضى الذي هو سلاح"القاعدة" لاهداف استراتيجية ملائمة لاسرائيل وللولايات المتحدة. الاستيلاء على المنطقة الشرقية النفطية ليس سوى جزء مهم بالطبع، منها. انما الهدف الآخر يدخل في خانة تفتيت المنطقة العربية كي يستحيل عليها تهديد اسرائيل او تحديها. ما يجمع بين"القاعدة"وزمرة الراديكالية الأميركية - الإسرائيلية المتطرفة هو رغبتهما في قطع العلاقة الأميركية - السعودية، لغايات مختلفة كلياً. "القاعدة"تريد إبعاد الأميركيين عن المنطقة وتعتقد أن أساليبها ستؤدي إلى اغلاق القواعد الأميركية في المنطقة العربية والإسلامية. الراديكالية الإسرائيلية أرادت قطع العلاقة الوثيقة بين الولاياتالمتحدة والسعودية حالما اطلق ولي العهد الأمير عبدالله مبادرته التي تبنتها قمة بيروت للقادة العرب. فتلك المبادرة هددت بفضح الرفض الإسرائيلي لحل سلمي للنزاع العربي - الإسرائيلي على أساس الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية، انهاء الاحتلال، والتعايش السلمي مع كل دول المنطقة. إرهاب 11 أيلول - حيث 15 من ال 19 الذين قاموا بالعملية في نيويورك - سقط هدية في أيادي زمرة التطرف الإسرائيلي المدعومة من زمرة التطرف الأميركي. وبهذا بدأت الحملة ضد السعودية. التداخل بين اجراءات وأهداف الراديكالية الإسلامية واليهودية والمسيحية المتمثلة في"القاعدة"وزمرة التطرف الأميركية - الإسرائيلية يؤدي إلى طرح السؤال الأهم: من هي شبكة القاعدة؟ من هم اتباعها حقاً؟ ولماذا تعود تكراراً بالمآسي على العرب والمسلمين فيما تزعم أنها تنتقم للظلم لهم. هؤلاء الرجال المختبئون في الجبال في أفغانستان أو الذين تسربوا إلى العراق أو الذين استولوا على مساجد في السعودية، مَن هم؟ لمصلحة مَن يعملون؟ بالتأكيد، أنهم لا يعملون لمصلحة الشعوب العربية والإسلامية التي لا حاجة بها إلى ثقافة التدمير التي يعتنقونها. بالتأكيد لم يستفد الفلسطينيون من هؤلاء الرجال. وبالتأكيد أن العراق لن يستفيد منهم أبداً. مَن هم هؤلاء الرجال؟ ولمن يعملون؟ نعرف أنهم سبق وعملوا مع وكالة الاستخبارات المركزية في أفغانستان بتمويل السعودية لمحاربة كفر الشيوعية. نعرف أنهم ارتهنوا أفغانستان واستخدموا"طالبان"لحكمها. نعرف أنهم عادوا إلى الجزائر سعياً وراء السلطة وذبح مَن يعترضهم وهم يذبحون في العراق والسعودية الآن لأهداف متعددة. البعض بين الرأي العام العربي والإسلامي مقتنع بأن إرهاب 11 أيلول في نيويورك ليس من صنع العرب والمسلمين، وأن لا بد لشبكة"القاعدة"فيه إذا صح هذا الاعتقاد، لنسمع من القاعدة بوضوح ما يبرئها، بأدلة واثباتات. إذا كانت قد اخترقت إسرائيلياً، كما يقول البعض، على هذه الشبكة مسؤولية تفسير اختراقها. إذا كان هناك إسرائيليون يقومون بعمليات باسمها، كما يدعي البعض، ان"القاعدة"مطالبة بإيضاح ذلك. في كل الأحوال، فشلت هذه الشبكة في خدمة العرب والمسلمين. إنها تستخدم قضاياهم وتراهن بمصيرهم وتخدم أعداءهم. وحان وقت مواجهتها، شعبياً. ولأن القاعدة الشعبية العربية والمسلمة لا تمتلك خيار اسقاط"القاعدة"وأمثالها عبر انتخابات، ليس أمامها سوى حجب نفسها كقاعدة شعبية لها. هذا يتطلب تماسكاً في عزل"القاعدة"وأمثالها والخروج علناً في تظاهرات ضدها وضد التطرف أينما كان. وكي لا تفترض الحكومات العربية انها أصبحت في ذهن المواطن العربي مثال الحكم لمجرد نهوضه ضد عقيدة التدمير وأساليب"القاعدة"، من حقه ان يطالب في التظاهرات ذاتها هذه الحكومات بوقف تقطير الاصلاح واستخدام محاربة الارهاب تبريراً لاجراءات تعسفية ضد المواطن العادي. أمام المواطن العربي الذي بدأ باليقظة فرصة التقاط حقوقه الواقعة بين تسلط حكومات وبين حروب"معارضة"عليها وعليه. فالقاعدة الشعبية العربية هي وسيلة المعارضة الحقيقية للمتنازعين على السلطة. وهذه فرصتها. أميركياً، ان الأداة المتاحة أمام القاعدة الشعبية الأميركية آتية بعد شهور قليلة أثناء الانتخابات. هناك دائماً خوف من تقلب الرأي العام الاميركي وتوقفه عند آخر خبر. انما هناك أيضاً مؤشرات على يقظته بعدما دخل في سبات عميق في ما حفر المتطرفون من المحافظين الجدد والاعتذاريين لاسرائيل مطباً له. الاستطلاع الأخير لصحيفة"واشنطن بوست"وشبكة تلفزيون"اي بي سي"أفاد ان قلق الرأي العام يزداد نتيجة ارتفاع عدد القتلى الاميركيين في العراق وان لدى الرأي العام شكوكاً متزايدة نحو الافرازات البعيدة المدى للحرب في العراق. أدى هذا الى"محو"التفوق المهم الذي كان لمصلحة جورج دبليو بوش على المرشح الديموقراطي المفترض جون كيري عندما تعلق الأمر بمن هو الأقدر على التصدي للتهديدات الارهابية. حسب الاستطلاع، ان أميركا منقسمة، نصف منها يبارك كيفية معالجة بوش للحرب على الارهاب مما يشكل انخفاضاً بنسبة 13 في المئة منذ شهرين فقط حين تمتع بوش بنسبة تفوّق تقارب 21 نقطة على كيري. الآن أميركا منقسمة، 48 في المئة تفضل كيري و47 في المئة تفضل بوش. واضح ان حرب العراق ستلعب دوراً حاسماً في العملية الانتخابية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل نظراً الى انقسام اميركا في شأنها والى حكمها على كلفة وفوائد تلك الحرب. فالاستطلاع يؤكد انقسام البلاد نحو أهداف الحرب ومبرراتها، كما نحو موقع الولاياتالمتحدة عالمياً وكذلك تأثير الحرب على الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. بوش لا يزال في رأي الأكثرية قائداً أقوى من كيري باعتباره أكثر قدرة على معالجة الأزمات وأقدر على ضمان أمن وأمان البلاد، والرجل الذي يتبنى موقفاً ويلتزم به. لكن 52 في المئة مقابل 39 في المئة تنظر الى كيري بأنه أكثر صدقاً من بوش ويستحق الثقة أكثر مما يستحقها الرئيس في البيت الأبيض. وهذا ناتج عن مغامرة بوش في العراق، علماً أن صدقه لم يكن ابداً محط شكوك قبل حرب العراق. على رغم ذلك، وحسب الاستطلاع، فإن الأميركيين يتساءلون عما اذا كانت لدى كيري خطة واضحة نحو العراق. بل ان الناحية الوحيدة التي تمتع بوش بأكثرية 50 في المئة مقابل 45 في المئة هي العراق. معنى هذا الاستطلاع فشل ما راهن عليه بوش وزمرة المتطرفين داخل وحول ادارته بأن اعلان حرب الارهاب سيخضع الاميركيين لكل ما أرادته. نصف الأميركيين بدأ الآن يفهم ان زمرة التطرف سعت وراء توظيف الخوف لغايات على حسابه. ولذلك نصف اميركا يعارض ما قام به بوش باسم الحرب على الارهاب. حتى الآن، لم تدفع وزارة الدفاع ثمناً لاخطائها في العراق التي ارتكبتها باسم مكافحة الارهاب بعيداً عن المدن الاميركية. اخترعت هذه الوزارة التي يديرها الصقور ومتطرفو المحافظين الجدد حروباً باسم مكافحة الارهاب ونشر الديموقراطية والاصلاح. انما ما قد تحصده هو غضب اميركا من خططها التضليلية خصوصاً ان العيب جاء معها في فضائح السجون في العراق وفي سجن غوانتانامو. هذا اضافة الى ادعاءات تورط مكتب نائب الرئيس ديك تشيني في مقاولات ومصالح شركات على حساب الناخب الاميركي. حتى الآن، لم يعاقب احد من كبار المشرفين على حرب العراق وحرب الارهاب وفضائح السجون والأموال. المسؤولية تقع على جورج دبليو بوش، حسب نصف الاميركيين الذين يجدون في هوسه الديني وخضوعه لفكر التطرف داخل ادارته أمراً مخيفاً. انعدام الثقة به الآن وعدم تصديقه عبارة عن خوف عميق من توجهاته وفكره ومن عودة المحافظين الجدد الى التحكم به وتنفيذ ما في ذهنهم - إذا أعيد انتخابه رئيساً. فالانتخابات ستكون استفتاء على بوش وزمرة التطرف التي طوقته اكثر مما هي انتخاب لجون كيري كالبديل المحبوب. قليلون الذين يفترضون ان تراجع المحافظين الجدد الموقت سيدوم اذا ما انتخب بوش لولاية ثانية. الأكثرية تخشى ان يكون غياب التطرف الموقت مجرد تكتيك انتقالي الى حين ضمان البقاء في السلطة. حتى الآن، لم يلعب كيري ورقة من ورط اميركا في العراق وكيف استخدمت كارثة 11 ايلول سبتمبر لغايات العقيدة الاستباقية التي يصنعها المحافظون الجدد لسنوات. لم يتقدم كيري ببرنامج مقنع لما ينوي ان يفعله في العراق. يقول اتباعه ان من الأفضل له الانتظار الى حين ازدياد اغراق بوش لنفسه قبل عرض ما لديه. يقولون ان الوقت مبكر والأفضل الانتظار الى ما بعد مؤتمري الحزبين الجمهوري والديموقراطي. رأيهم ان الصيف المقبل مستنقع لجورج بوش وان المصلحة العقلانية لجون كيري تقتضي الانتظار حتى نهاية الصيف الحار جداً لبوش في العراق وفي حرب الارهاب. خمسة اشهر الى الانتخابات الرئاسية الاميركية. خمسة اشهر في حروب التطرف والاعتدال. خمسة اشهر مصيرية اذا لعب الرأي العام دوره... أو اذا بقي متأرجحاً على أوتار الراديكالية التي تتلاعب به وتفترضه قطيعاً ترعاه. شرارة الأمل غير كافية. التحديات تتطلب طاقة ضخمة، وإلا... الظلام.