يترأس فاروق حسني وزير الثقافة المصري يوم غدٍ الاثنين 22 حزيران يونيو الجاري اجتماع المجلس الأعلى للثقافة، بغية إعلان أسماء الفائزين بجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية وجوائز التفوق وجوائز مبارك في مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. واذا كان الاجتماع من المناسبات التقليدية التي تجدد السجال سنوياً بين المثقفين حول مدى استحقاق الفائزين هذه الجوائز والتي يعود تاريخ منحها للمرة الأولى إلى العام 1958، فإنه وعلى خلاف الأعوام الماضية يخضع لمتغيرين أساسيين يعطيان للمناسبة مذاقاً خاصاً. يتمثل المتغير الأول في غياب أسماء الوزراء وكبار رجال الدولة عن لائحة المرشحين في جوائز مبارك والتقديرية، بعد الانتقادات التي وجهتها الصحافة المصرية للجامعات والهيئات العلمية التي رشحت كبار المسؤولين لهذه الجوائز، وهو الأمر الذي دعا وزير الثقافة المصري الى مناشدة هذه الهيئات الكف عن إحراج المجلس الأعلى للثقافة وترشيح أسماء أخرى. وسنّت الوزارة ذاتها نطاقاً مناقضاً بحرمان "رجالها" من الترشّح للجوائز ما داموا في موقع المسؤولية. على هذا الأساس حرم بعضهم من حق التصويت على أسمائهم كمرشحين للجوائز ومن هؤلاء احمد نوار وسمير سرحان وفوزي فهمي. وكانت ظاهرة ترشيح المسؤولين لجوائز الدولة تفاقمت في العام 1993 حين نال التقديرية في مجال العلوم الاجتماعية رئيس الوزراء المصري السابق عاطف صدقي إبان توليه المسؤولية الوزارية ومعه رئيس مجلس الشعب البرلمان أحمد فتحي سرور ما دفع المفكر والوزير السابق إسماعيل صبري عبد الله إلى الاحتجاج والاستقالة من عضوية المجلس. وعلى رغم هذا استمرت الظاهرة في حصول مسؤولين آخرين على الجائزة في أعوام سابقة مثل مفيد شهاب وزير التعليم العالي ومحمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف، إضافة إلى مصطفى الفقي المقرب من مؤسسة الرئاسة والذي يترأس راهناً لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان. و بفضل الصحافة اعتذر عن عدم قبول الترشيح لجائزة مبارك مئة ألف جنيه مصري/ نحو 17 ألف دولار كل من عاطف عبيد رئيس الوزراء وأحمد فتحي سرور رئيس المجلس. لكن الأخير - وكان فشل في تحقيق غالبية تمكنه من الفوز بالجائزة العام الفائت - اعتذر هذا العام بسبب ما سماه في الرسالة التي وجهها إلى المجلس "غياب المعايير الموضوعية التي تحكم عملية التصويت". وانضم إلى قائمة المعتذرين هذا العام الكاتب فوزي فهمي وكان رشح لجائزة مبارك فرع الفنون قبل عامين وخلال توليه رئاسة أكاديمية الفنون، وكان اعتذر عن عدم قبول الترشّح لجائزة الدولة التقديرية. وانضم إلى القائمة ذاتها زكريا عزمي رئيس ديوان الرئيس المصري والنائب في البرلمان، وكان هو أول من بادر من المسؤولين الى الاعتذار عن عدم قبول الترشّح لجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية. ولا يمكن القول إن الصحافة حققت في هذه المعركة نصراً كاملاً، إذا أصر بعض المسؤولين على البقاء في قوائم الترشّح، ومن هؤلاء رئيس الوزراء المصري السابق علي لطفي، والوزير السابق والمفكر الإسلامي أحمد كمال أبو المجد الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس المجلس المصري لحقوق الإنسان، هذا إضافة إلى وجود اسم علي الدين هلال وزير الشباب المصري المرشح لتقديرية العلوم الاجتماعية وهو يدخل التصويت معانياً من الآثار الجانبية للحملة الإعلامية التي تعرض لها في أعقاب الفشل في الحصول على صوت واحد. أما المتغير الثاني الذي يميز اجتماع المجلس الأعلى للثقافة بالقياس إلى السنوات السابقة فمرتبط بجائزة الدولة التشجيعية والتي تبلغ قيمتها عشرة آلاف جنيه مصري 1700 دولار. فللمرة الاولى منذ سنوات يسمح بتقدم مرشحين فوق سن الأربعين السن الذي اعتمده المجلس في السنوات الأخيرة للترشّح للجائزة استجابة لتوصية صدرت العام الفائت، كما تقرر هذا العام منح جائزة واحدة للمرشح الأصلي ورفض نظام ترشّح مرشح احتياط في الفرع الواحد ليمنح جائزة ثانية في حال توافر جائزة في الفرع نفسه، وهو أمر سبب مشكلات قانونية للمجلس العام الفائت واضطر بعدها الى منح مصطفى ذكري وطارق فتحي سرور جوائز بأثر رجعي من جراء خطأ قانوني في الإجراءات. وقياساً الى هذين المتغيرين يمكن القول إن التصويت على الجوائز لن يشهد منافسات حادة، بل إن أعضاء المجلس أمامهم فرصة ذهب هذا العام للاختيار بنزاهة مطلقة ومن دون ضغوط أي أفراد أو مؤسسات. وإذا استعرضنا لائحة المرشحين لجائزة مبارك في مجال الفنون فإن السمة الواضحة هي غلبة المرشحين من الفنانين التشكيليين مثل فنان الباستيل محمد صبري واحمد عبدالوهاب وسامي رافع وعبدالله جوهر والمعماريين علي رأفت ويحيي الزيني، إضافة الى اسم المخرج الراحل كمال الشيخ. لكن التوقعات تؤكد ان النحات آدم حنين هو الاقرب إلى الفوز نظراً الى قيمته الفنية أولاً، وثانياً لكونه مرشح اكاديمية الفنون، أو بالأحرى مرشح الجهة الوحيدة التي تعبر صراحة عن ترشيحات وزارة الثقافة ومن ثم يحظى مرشحوها بأكثرية واضحة اثناء التصويت. وفي جائزة مبارك، فرع الآداب، هناك اسماء كبيرة على لائحة الترشيح من العام الفائت ولم تتمكن من تحقيق الغالبية المطلقة التي تؤهلها للفوز مثل ألفريد فرج وأحمد هيكل وزير الثقافة المصري الاسبق والكاتب فاروق خورشيد، والطاهر مكي وحسين نصار، الفائز بجائزة فيصل العالمية للآداب لهذا العام و محمد زكي العشماوي ومصطفى الشكعة والشاعر محمد التهامي. وفرص هؤلاء جميعاً متقاربة، وهو أمر يرجح حجب الجائزة في هذا الفرع أو منحها لحسين نصار. ويتنافس على جائزة العلوم الاجتماعية كل من المؤرخين سعيد عبدالفتاح عاشور ويونان لبيب رزق، وقدري حفني، ومن الوزراء والمسؤولين السابقين أحمد كمال ابو المجد وعائشة راتب وعلي لطفي وصبحي عبدالحكيم. وان كانت فرص استاذ الفلسفة المفكر المعروف فؤاد زكريا هي الافضل خصوصاً أنه مرشح اكاديمية الفنون التي تحظى ترشيحاتها دائماً بتقدير اعضاء المجلس، اذ تستند الى معايير موضوعية واضحة في حيثيات الترشّح. والى جانب زكريا هناك فرصة كبيرة ليونان لبيب رزق الذي كاد ان ينالها العام الفائت لولا شراسة المنافسة مع اسماعيل صبري عبدالله وابراهيم نافع، وقد جعلتهم يتعادلون في الاصوات في الجولة الاخيرة الامر الذي ادى الى حجب الجائزة . وفي الجوائز التقديرية يتنافس على ثلاث جوائز في فرع الآداب 50 ألف جنيه لكل جائزة/ نحو 8 آلاف دولار اسماء اقربها إلى الفوز الكاتب ابراهيم اصلان والباحث والمترجم عبدالغفار مكاوي، ومن الاكاديميين ابراهيم عبدالرحمن ومحمد حسن عبدالله ورمسيس عوض وعلي الحديدي وكاتب الخيال العلمي نهاد شريف وطه كريشه الاستاذ في جامعة الازهر وعبدالحميد ابراهيم ومحمد الجوادي الذي استبعدته لجان الفحص من الترشّح في اجراء لا يلزم المجلس بقبوله! وفي تقديرية الفنون تبدو عملية التصويت أصعب في ظل وجود ثلاث جوائز تتنافس عليها اسماء تشكيلية كبيرة أبرزها رسام الكاريكاتير مصطفى حسين، نقيب التشكيليين، وعدلي رزق الله، والنحات صبحي جرجس وعبدالوهاب مرسي وعمر النجدي، اضافة الى الباحثة الموسيقية ومطربة الاوبرا الشهيرة رتيبة الحفني ومعها المخرجة التلفزيونية انعام محمد علي وفرصة كل منهما في الفوز كبيرة جداً. وهناك اربع جوائز تقديرية للعلوم الاجتماعية يتنافس عليها محمد شفيق، استاذ علم الاجتماع الفائز العام الفائت بجائزة التفوق وقد رشحته هذا العام ثلاث جامعات ومعه صلاح قنصوة واسحاق عبيد وحسن الشافعي وحورية مجاهد وعلياء شكري ومأمون سلامة ونور فرحات، ووزير الاقتصاد السابق مصطفى السعيد ونبيل لوقا بيباوي وهو مفكر قبطي رشحه مجمع البحوث الاسلامية لكتاباته المدافعة عن الاسلام. وهناك ايضاً علي رضوان استاذ الآثار في جامعة القاهرة والمرشح كذلك للجائزة نفسها في فرع الفنون. ولا تقل المنافسة في جوائز التفوق 25 الف جنيه /نحو 4 آلاف دولار عنها في التقديرية. وفي فرع الادب يتنافس الروائي ابراهيم عبدالمجيد مرشح اكاديمية الفنون مع عشرة مرشحين ابرزهم احمد سويلم وفؤاد قنديل واقبال بركة والشاعر عبدالمنعم عواد يوسف. وهناك تسعة مرشحين لجائزة التفوق في الفنون، ابرزهم واقربهم إلى الفوز المخرج السينمائي داود عبدالسيد، وهناك 11 مرشحاً في العلوم الاجتماعية ابرزهم احمد زايد استاذ الاجتماع في جامعة القاهرة. وكانت لجان الفحص في جائزة التفوق استبعدت عدداً من المرشحين ولكنّ المتوقع الا يأخذ المجلس بهذه القرارات التي تعتبر استرشادية ليس اكثر . وفي الجوائز التشجيعية قد يكون هناك مفاجآت، ومن المتوقع ان تذهب جائزة القصة للكاتب حمدي أبو جليل عن مجموعته "اشياء مطوية بعناية"، اما جائزة الشعر فرشح لها السماح عبدالله الانور من بين 31 ديواناً تقدم اصحابها للجائزة. وقد تذهب جائزة الدراسات النقدية المخصصة لنقد قصيدة النثر لعبدالعزيز موافي عن كتابه "تحولات النظرة في بلاغة الانفصال" وهو الكتاب الذي اختاره مقرر لجنة الفحص الناقد محمد عبدالمطلب عملاً بحق اللجنة في ترشيح اعمال لم يتقدم اصحابها لنيل الجوائز طالما ان الانتاج المقدم لا يرقى إلى الفوز. وكانت مصادر صحافية تؤكد ان مبدأ نشر الكتاب في العام 1999 يجعله غير مؤهل قانوناً للترشيح، إذ تشترط اللوائح ان يكون الانتاج بين 2001 و2002. واجمالاً حجبت ثلاث جوائز في فرع الآداب من بين ثماني جوائز مخصصة لترجمة كتب الاطفال ونقد قصيدة النثر وشعر الفصحى ومسرحية شعرية وأغاني الاطفال وروايات الخيال العلمي والقصة القصيرة. وفي تشجيعية الفنون حجبت اربع جوائز من أصل ثمانٍ مقدمة في هذا الفرع، فيما استمرت ظاهرة حجب الجوائز التشجيعية في العلوم الاجتماعية والقانونية والاقتصادية لتصل الى عشر جوائز من بين أصل ست عشرة جائزة.