ترأس أمس وزير الثقافة المصري فاروق حسني اجتماع المجلس الأعلى للثقافة في مصر، وهو الاجتماع التقليدي الذي يشهد إعلان أسماء الفائزين بجوائز "الدولة التقديرية والتشجيعية"، إضافة إلى جوائز "التفوق" و"مبارك" التي تمنح سنوياً في مجالات الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية. ومما زاد من درجة الاهتمام بالمناسبة كونها جاءت هذه المرة تالية لاجتماع آخر عقده المجلس قبل أيام انتهى إلى رفض توصية رفعتها اللجنة التي شكلت العام الماضي تقضي برفض قبول ترشح الوزراء للجائزة، خلال فترة توليهم المسؤولية الوزارية. وهذا ما يعني ضمناً استمرار ظاهرة تنافس الوزراء التنفيذيين مع الأدباء والمفكرين على الجوائز. وهي الظاهرة التي تنامت منذ العام 1993 مع حصول رئيس الوزراء آنذاك ورئيس مجلس الشعب المصري البرلمان على تقديرية العلوم الاجتماعية، كما انتهى المجلس في اجتماعه الأخير إلى الموافقة على تشكيل لجنة لتصفية قوائم الترشيح لجوائز التفوق التي استحدثت قبل أربعة أعوام وهي القوائم التي اتسمت بالارتباك الواضح وافتقاد بعض المرشحين للمعايير الأولية اللازمة للترشح لهذه الجائزة، وهي تحلّ بقيمتها المالية في المنزلة الوسطى بين التقديرية 50 ألف جنيه مصري، نحو 12 ألف دولار والتشجيعية 10 آلاف جنيه مصري. غير أن جوائز هذا العام حظيت باهتمام مختلف لم يقتصر على التجمعات النخبوية أو الأماكن التي يرتادها المثقفون، ربما لان عدداً كبيراً من الأسماء المرشحة لنيل جوائز هذا العام من الشخصيات العامة التي تتجاوز بوهجها ونجوميتها حدود النخب الضيقة. فقوائم المرشحين قدمت مؤشرات أولية على أن الاجتماع سيشهد أكبر جولة تصويتية لحسم التنافس الحاد بين المرشحين خصوصاً ان عدداً كبيراً منهم يصنف في خانة المختلفين مع السياسات التي تنتهجها وزارة الثقافة المصرية منذ تولاها فاروق حسني قبل 15 عاماً. المثقف والزعيم جائزة مبارك هي الأرفع من حيث قيمتها المالية التي تبلغ 100 ألف جنيه مصري وتنافس عليها في مجال الفنون عدد من الأسماء تشير القراءة الأولى لها إلى أن اسم ثروت عكاشة وزير الثقافة المصري البارز في الستينات والمثقف الموسوعي الكبير صاحب المؤلفات والمترجمات المهمة مطروح بقوّة، لكن الأمر لم يكن سهلاً خصوصاً ان دائرة الترشيحات تضم عدداً من الأسماء التي لا يستهان بها مثل الفنانة التشكيلية تحية حليم وسميحة الخولي والمعماري المصري البارز علي رأفت والنجم السينمائي عادل إمام المرشح بقوة من نقابة الممثلين والمستند إلى شعبيته وتأثيره الإعلامي. وفي فرع الآداب طرح اسم العلامة شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية وكانت غابت عنه العام الماضي وذهبت في الجولة الأخيرة من التصويت لمنافسه الكاتب أنيس منصور، لكن اسم ضيف هذه المرة دخل التصويت مطمئناً خصوصاً ان أقرب منافسيه هو الناقد عبدالقادر القط الذي يُعد واحداً من تلامذته، والى جواره مجموعة أسماء أبرزها الكاتب الراحل ثروت أباظة والناقد محمد زكي العشماوي. وحصرت المنافسة حول الجائزة في فرع العلوم الاجتماعية بين اثنين فقط من المرشحين، هما عاطف صدقي المشرف على المجالس القومية المتخصصة في مصر والمفكر الاقتصادي البارز إسماعيل صبري عبدالله الذي تولى وزارة التخطيط المصرية أوائل السبعينات والقيادي البارز في حزب التجمع المعارض. واللافت أن صبري كان استقال من المجلس احتجاجاً على حصول منافسه الحالي عاطف صدقي على التقديرية أثناء توليه الوزارة عام 1993. والمطلوب من أعضاء المجلس اختيار ثلاثة أسماء فقط لنيل الجائزة بمعدل واحد لكل فرع. وفي جوائز الدولة "التقديرية" فرع الآداب تنافس على الجائزة ثمانية والمطلوب اختيار ثلاثة أسماء وطرح اسم الكاتب علاء الديب مرشح أكاديمية الفنون. وهو يحظى بقبول في أوساط المثقفين والى جواره المترجم المعروف محمد عناني، والشاعر فاروق جويدة الذي تستند فرصه في الفوز إلى شعبيته الواضحة وحضوره الإعلامي، ذلك على رغم حملاته الصحافية التي تعارض سياسات وزارة الثقافة وقد بدت وكأنها تقلّل فرصه في نيل الجائزة مما يزيد من احتمالات حجبها ولكن هذا الاحتمال يبقى ضعيفاً، خصوصاً في ظل ضعف فرص بقية المرشحين، ومنهم الشاعران حسن فتح الباب وإبراهيم عيسى، وعلي الحديدي. وحصرت المنافسة على "تقديرية الفنون" بين عدد من التشكيليين والمعماريين والأثريين ومنهم عبدالقادر مختار واحمد عبدالوهاب وأحمد كمال عبدالفتاح ورأفت النبراوي والمخرج السينمائي كمال عطية وفرصهم كانت متساوية تقريباً خصوصاً بعد اعتذار فوزي فهمي عن عدم قبول الترشيح للجائزة لكونه أحد أهم قيادات وزارة الثقافة أي الجهة المانحة للجائزة. وعلى رغم وجود نحو 17 مرشحاً لنيل تقديرية العلوم الاجتماعية بدا من الصعب الرهان على فوز أي مرشح ربما لان معظم المرشحين من أبناء السلك الأكاديمي وجاءت ترشيحاتهم من الجامعات والجمعيات العلمية المتخصصة مثل المؤرخ جمال زكريا قاسم وعبدالحليم نور الدين الذي أقيل من منصبه كرئيس سابق لهيئة الآثار المصرية بعد خلاف مع وزير الثقافة، ومصطفى كامل السعيد الذي بدا صاحب الحظ في بورصة الترشيحات. وفي جائزة "التفوق" بدا مرشحو أكاديمية الفنون هم الأقرب للفوز في فروع العلوم الاجتماعية والآداب والفنون. الشعر والهجوم ووفقاً للترتيبات الإدارية بدأ اجتماع المجلس بعرض جدول الأعمال ثم إقرار ترشيحات لجان فحص الإنتاج المقدم لنيل جوائز الدولة التشجيعية، وكان من المتوقع استمرار ظاهرة حجب عدد من الجوائز المخصصة لفرع العلوم الاجتماعية خصوصاً فرعي الفلسفة والتاريخ بعد أن لاحظت اللجان ضعف الإنتاج المقدم، كما أن اللجان لم تستخدم حقها القانوني في ترشيح أعمال لم يتقدم أصحابها لنيل الجائزة مما يعني أن الجدل حول الجوائز التشجيعية يظل مقصوراً على جوائز الفنون والآداب وإن كان تسرب بعض أسماء المرشحين لنيل "تشجيعية" الأدب يعني أن الأمر بات شبه محسوم بعد ترشيح منتصر القفاش لنيل تشجيعية الرواية وجميل عبدالمجيد النقد وجمال عبدالناصر السيرة الذاتية. أما جائزة الشعر فعلى رغم صعوبة تحديد اسم المرشح لنيلها إلا أن مصادر عدة أكدت أنه، خلافاً لما أشيع، فإن اللجنة كانت انتهت الى قرار بمنح الجائزة للمرة الاولى لشعر العامية الذي ينال هذا العام جائزته الثانية من الدولة وذلك بعد التقديرية التي حصل عليها العام الماضي الشاعر عبدالرحمن الابنودي. وتردد آنذاك أن الجائزة على رغم قيمتها الكبيرة لم تكن لكسر احتكار شعر الفصحى بقدر ما كانت تكريساً لاسم الابنودي وهو الأمر الذي دعا لجنة الفحص هذا العام الى ترشيح الشاعر رجب الصاوي لنيل الجائزة التشجيعية. وكانت ترددت في الكواليس أسماء شعراء آخرين من بينهم مسعود شومان وصادق شرشر. وبحسب هذه المصادر أيضاً بدا من المتوقع حجب جائزة شعر الفصحى وتردد أن سبب الحجب يعود إلى انتصار ذوق ممثلي الاتجاهات التقليدية داخل اللجنة وهي الاتجاهات التي لم تتحمس لمعظم الإنتاج المقدم أو المرشح من الخارج والذي غلبت عليه القصائد النثرية. على أي حال لو صح ذلك فإن جائزة الشعر غدت وكأنها رأس الحربة في حملة الهجوم على الجوائز هذا العام خصوصاً ان معارضي الجائزة انتهت حماستهم لطرح أفكار ملوا من طرحها، مثل تلك المتعلقة بتغيير تركيبة عضوية المجلس الأعلى للثقافة المشكّل بلائحة أقرت بداية الثمانينات حتى يعاد تشكيله بصورة تزيد من نسبة الأعضاء المعينين لأشخاصهم وتقل أعداد المعينين بحكم مناصبهم أو ممثلي الهيئات والوزارات التي يرى البعض أن لا علاقة مباشرة لها بالثقافة مثل الخارجية والتخطيط والسياحة. وهكذا يكون لممثليها حق التصويت على الجوائز. ومل آخرون من المطالبة بإعادة النظر في الجهات التي يحق لها الترشح لنيل الجوائز وهي جهات لا تزال تمارس أنانيتها الواضحة وتقصر ترشحاتها على أبنائها فقط ولا تمد بصرها خارج محيطها العائلي أو العشائري.