منذ شرعت في تشييد مواقعها على شبكة الإنترنت، بدا ان تجاهل الصحافة الإلكترونية السورية لل"الخطوط الحمر" التي تدور في فلكها نظيرتها الورقية سيثير المتاعب لها. والارجح ان بعض المشتغلين بالصحافة اعتقد بأن رياح الانفتاح التي تهب على سورية بفعل عملية التطوير والتحديث، قادرة على حمل جميع الرسائل الموجهة، والدخول الى طور النقد المعلن، سواء للتيارات السياسية الممسكة بالحكم او تلك التي تدور خارج فلكه. والأرجح ان بعضاً من هؤلاء استهوته فكرة انشاء صحف الكترونية على الانترت، من داخل سورية. وساروا على النهج الذي رسمه زملاؤهم في بلاد الاغتراب، ولو انهم توخوا، في بداية الأمر، الحيطة والحذر في نشر المواضيع. واختاروها بحيث لا تتعارض مع مصالح الطبقة الحاكمة. والحال ان ثورة تكنولوجيا المعلومات، عدلت المناخ الثقافي والسياسي السائد. ففي اكثر من بلد، ادى انتشار الانترنت الى بعض التقدم في الخروج من اسر الخطاب الأيديولوجي الشمولي للسلطات الحاكمة، مثل ما حصل في الصين الشعبية. ولم يعد مجدياً تجاهل مقولات الآخر، بحجة انه "المعادي". سعة صدر الرقابة؟ يعلن موقع "الشام للصحافة" champress.net أنه أول صحيفة إلكترونية سورية. ويفوته ان عدداً كبيراً من المواقع المماثلة سبقته الى ذلك "الفضل"! والحال ان الإعلان عن "الأول"، ومثله الافضل والاقوى والاحسن والاسرع وغيرها من أفعل التفضيل، منتشر بشدة في الانترنت وخطاباتها. ولعل موقع "الشام للصحافة" يريد الاشارة الى أنه أول صحيفة إلكترونية تعمل من "داخل" سورية. كيف يمكن رسم الحدود، في الفضاء الافتراضي للشبكة الدولية للكومبيوتر، بين "داخل" و"خارج"؟ ربما قاد هذا السؤال الى نقاش طويل عن مفهوم الصحيفة الالكترونية وتعريفها. ويتكفل الموقع بنشر أخبار المعارضة السورية، كما تنشرها بعض الصحف العربية. ويفرد حيزاً واسعاً لنشر أهم مقالات الرأي التي ترد في بعض المواقع الالكترونية السورية المغضوب عليها من الرقابة، اضافة الى المواد المنشورة في صحف عربية لا تصل الى سورية. ويطرح ذلك أسئلة عدة حول جدوى حجب المواقع الالكترونية للمعارضة، وكذلك عدم السماح لصحف معروفة بمعارضتها للسياسة السورية من دخول الاراضي السورية. وعلى رغم ان الموقع لا يهتم كثيراً بالمقالات الخاصة به، باستثناء التي ينشرها مالكه، فإنه أثار جدلاً في الأوساط السياسية السورية بسبب الجرأة في تناول مواضيع محظور عليها الخروج من الخيمة الرسمية للإعلام السوري. مثلاً تناول صاحب الموقع أداء وزارات أساسية في سورية مثل الخارجية وطاقمها الديبلوماسي في الخارج ووزارة الإعلام، متهماً إياها بالتقصير في هذا الظرف العصيب الذي تمر به سورية. وفسر بعضهم هذا الطرح "الالكتروني" الجريء بانه رسائل موجهة الى أشخاص مستهدفين في أي تغيير حكومي مرتقب، اي انه داخل الهامش الرسمي لل"جرأة"! وفي الفترة الاخيرة، دخل الاستحقاق الرئاسي اللبناني على الخط، وكذلك المواجهة بين سورية والولايات المتحدة عبر مجلس الأمن. وأضحت هذه الامور مادة دسمة لموقع "شام برس" الإلكتروني، مما أثبت ان صدر الرقابة اتسع عن سابق عهده! المعارضة تدخل اللعبة "الالكترونية" انخرط المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري في "اللعبة" الالكترونية، في ظل تضييق قانون المطبوعات السوري الخناق على إصدار الصحف الورقية ذات الطابع السياسي. فأطلق صحيفة إلكترونية باسم "الرأي" arraee.com. وتمثل نشرة يومية خاصة بالمشتركين تتضمن أخباراً ومقالات تتعلق بالشأن السوري، يستقى معظمها من صحف عربية ومواقع إلكترونية محجوبة سورياً. ودعت شبكة "مرآة سورية" syriamirror.net جميع المثقفين والأكاديميين المهتمين الى إرسال دراساتهم ومقالاتهم لنشرها في الموقع. ووصفت نفسها بأنها "منبر فكري وثقافي مستقل يهدف الى إبراز مختلف جوانب الحياة السورية". وابدت انفتاحاً على التيارات المختلفة بما فيها السياسية، وفق ما جاء في مقدمته. وبالفعل شهد الموقع إقبالاً ملحوظاً للنشر، وخصوصاً من أقليات ليس لديها مطبوعات داخل سورية مثل الأكراد. وتؤكد هذه الامور مقولة ان "كل إنسان ناشر على الإنترنت". ويحض الموقع وزارة الإعلام السورية على "تطويع"" قانون المطبوعات ليناسب الحراك السياسي والاجتماعي الذي تعيشه سورية. مصير محتوم عانت الصحافة الإلكترونية السورية المهاجرة من "ويلات" جراء تخطيها للمحرمات الإعلامية سورياً. فحجبت سورية "إيلاف" elaph.com الصحيفة الإلكترونية التي يعمل فيها سوريون في لندن وحظيت باهتمام عربي واسع النطاق. ولاقت المصير نفسه النشرة الإلكترونية "أخبار الشرق"thisissyria.net الت ابعة لمعهد الشرق العربي في لندن، والتي يديرها إسلاميون من أقطاب المعارضة. وأقلعت نشرة "كلنا شركاء في الوطن" all4syria.org الإلكترونية، التي أصدرها المهندس أيمن عبد النور، بنجاح العام الماضي من أحد مكاتب دمشق الصغيرة. واستقطبت النشرة، التي اعتمدت على الاشتراكات شأنها شأن "أخبار الشرق"، أقلام الناشطين السوريين من شتى بقاع الأرض من دون النظر الى انتماءاتهم الحزبية والفكرية ومدى موالاتهم لطروحات ونهج النظام السياسي الحالي. وحاولت الوقوف على الحياد لجهة نشر المواضيع غير موثوقة المصدر، أو التي تبالغ في النقد والتجريح. ولم يشفع لها ذلك من سيف الرقابة المصلت على كل من تسول له نفسه الخروج عن العرف والتقليد الإعلامي الموروث. وميّز التجارب السابقة اعتمادها في شكل رئيسي على أخبار وكالات الأنباء والمواد المنشورة في الصحافة العربية التقليدية، وبخاصة المهاجرة منها، لملء صفحاتها الإلكترونية بالمواضيع ذات الصلة بالشأن السوري.