بعد فترة وجيزة من حفلة زفافها، اعتقلت قوات الاحتلال، ميرفت طه، من منزلها الكائن في العيسوية في القدس، بتهمة مساعدة شاب فلسطيني على تنفيذ عملية فدائية داخل الخط الأخضر. داخل السجن علمت بحملها، وفي شباط من العام الماضي، وبينما كانت يداها مقيدتين بالأغلال، وضعت ولدها البكر، وائل، الأمر الذي ينطبق على منال غانم، التي اعتقلت وهي حامل في شهرها الثالث، ووضعت طفلها الرابع، نور، في تشرين الأول اكتوبر الماضي، ليكون الطفل الفلسطيني الخامس الذي يولد خلف القضبان، بعد وائل، وأبناء كل من الأسيرات المحررات: أميمه الآغا، وسميحة حمدان وماجدة السلايمة. وتقول الأسيرة ميرفت طه، في إفادة لمؤسسة حقوقية فلسطينية: مكثت 12 يوماً في زنزانة صغيرة، كان الوضع داخلها صعباً جداً... كنت مكبلة اليدين والقدمين، ومربوطة إلى كرسي صغير... عرفت وأنا في الزنزانة أنني حامل، وأعلمت إدارة السجن... وبعد التأكد من صحة الخبر نقلت إلى قسم الغرف في سجن الجلمة .. بقيت هناك شهرين، ثم نقلت إلى سجن الرملة. وتضيف طه: "لم أظفر بأي معاملة معقولة، كوني حاملاً... عندما كنت في سجن الجلمة كان يأتي ممرض كل يومين أو ثلاثة، كي يقيس ضغط الدم والنبض، أما في سجن الرملة فلم يتم فحصي على الإطلاق، ومع ذلك مرت الأيام على رغم عناء الحمل". وتتابع: "عندما حان وقت الولادة شعرت بخوف شديد، خصوصاً من المعاملة غير الإنسانية في السجن، ما أدى إلى تأخري في وضع مولودي الأول... تمت عملية الولادة وأنا مقيدة اليدين، ومحاطة بأربع مجندات، بحجة "الحفاظ على الأمن". ويعاني الرضيع وائل من وضع صعب للغاية، إذ لم تتح له فرصة تناول العلاج اللازم عند المرض، ولم يحظ بأي فرصة لتطعيمه، كما أنه لا يحصل على الغذاء اللازم لطفل في سنه، ويعتمد في شكل أساسي على الحليب الذي يرضعه من ثديي أمه، أما بالنسبة الى الفوط الصحية فهي غير متوافرة بانتظام، ما يضطر والدته إلى إعادة استعمال فوط عفنة لا تصلح للاستعمال من جديد، كما ترفض سلطات الاحتلال بشكل قاطع تمديد فترة الاستراحة و"الفورة" للطفل وأمه. وإضافة إلى انتشار الفئران والحشرات والرطوبة وانعدام الماء الساخن، لا يتمكن زوج طه وأهلها من زيارتها إلا نادراً، وتمنعهم سلطات الاحتلال من إدخال الحليب أو الفوط للطفل الأسير. وتقول طه، التي حكم عليها بالسجن أربع سنوات: "الاكتظاظ في غرف المعتقل وغياب التهوية، اديا إلى تدهور الوضع الصحي لطفلي، كما أنني بت أخشى إخراجه إلى الساحة وقت "الفورة" مع بداية فصل الصيف، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، خصوصاً في ظل غياب المظلات التي تقيه من ضربات الشمس... طفلي في خطر، وبات أكثر عصبية وعدوانية وكثير البكاء. أما منال غانم، التي اعتقلت بدعوى الإعداد لتنفيذ عملية فدائية داخل الخط الأخضر، فتقول في إفادتها: "في حالات القمع اختبئ وطفلي في أي مكان أعتقد أنه سيحميه... ليس أمامي سوى أن أدعو الله أن يحميه .. طفلي محروم من اللعب والرعاية ومن الطعام، فهو يعتمد على الرضاعة الطبيعية فقط، وبسبب رداءة الطعام المقدم لي لم يعد هناك حليب يكفي لإشباعه. جاء منال المخاض في الثامنة والنصف صباحاً، ونقلت إثر ذلك إلى مستشفى "أساف هروفيه" مكبلة اليدين والقدمين، وأتمت الولادة في الثانية والنصف ظهراً... وحتى الآن لا تزال تنتظر شهادة ميلاده، التي ترفض إدارة السجن استصدارها. ويعاني الطفل نور من آثار نقص حاد في الغذاء، كما انه تعرض للإصابة أكثر من مرة في الجهاز التنفسي، بسبب عدم حصوله على ملابس دافئة في فصل الشتاء، وهو يعاني الآن من ضيق في التنفس.. تقول غانم: "لا يتوقف نور عن البكاء والصراخ، وأنا أقف عاجزة أمامه، احتضنه ولا املك الكثير لمساعدته، في ظل الإهمال المتعمد من ادارة السجن". ولا تزال الأسيرة غانم قلقة جداً على صحة رضيعها، وهي التي عانت من فقر دم حاد أثناء الحمل والولادة، علاوة على عدم إجرائها اي فحوص طبية بعد الولادة، كما لم تتوافر لها أي كميات غذائية إضافية لضمان رضاعة الطفل.. ولم تتلاش مخاوفها من إمكان إصابة رضيعها بمرض التلاسيميا، الذي كانت نقلته إلى ابنها ماجد 6 سنوات. وكانت المحامية بثينة دقماق، التقت الأسيرة غانم، التي عبرت لها عن مخاوفها على حياة رضيعها، جراء رش الأسيرات بالمياه وربما بالغاز، وحاجته للشمس وللهواء النقي، ولكل ما لا يتاح وراء الأبواب الموصدة. وروت منال لدقماق لحظات الرعب التي عاشتها لدى رش غرف السجن بالماء البارد أخيراً، قائلة: "عندما فتحوا خراطيم المياه علينا، حملت نور وخبأته في جوف صدري، وهرعت إلى أكثر الأمكنة أماناً في الغرفة، وجلست مقوسة الظهر كي أوفر له أكبر قدر ممكن من الحماية". وعلى قسوة وجود رضيعيهما معهما في الأسر، فإن العديد من الأسيرات يحسد هاتين الوالدتين على ما يرينه امتيازاً، خصوصاً لمن لا يستطعن رؤية أطفالهن، فثمة بين الأسيرات، اللواتي يزيد عددهن على الثمانين أسيرة، أكثر من عشرين أماً، إحداهن أم لأحد عشر طفلاً، هي زكية العويص من قلقيلية، وهي معتقلة إدارياً منذ أكثر من عام مع شقيقتها، التي هي الأخرى أم لتسعة أولاد. ومن بين الأسيرات الأمهات واحدة من الجولان السوري المحتل، هي أمل محمود.. والأكثر قسوة بالنسبة للأسيرة الأم هو عندما يكون زوجها أسيراً أيضاً، كما في حالة ألينا سراحنة، وغيرها. وما يؤرق ميرفت ومنال أن القوانين الاسرائيلية تسمح للطفل بالبقاء في حضانة أمه مدة عامين فقط داخل السجن، ثم ىفرج عنه قسراً، وعن هذا تقول المحامية دقماق: "أرى الوالدتين منال وميرفت، وهما تتمزقان ألماً كلما فتح موضوع نقل طفليهما منهما إلى أسرتيهما". وذكر تقرير صادر عن نادي الأسير الفلسطيني، أن الأم التي تلد داخل المعتقل تستفيد من إنزال ثلث مدة حكمها، بسبب رضيعها، بحسب القوانين الإسرائيلية، إلا أن هذا الأمر لم يطبق على الأسيرات الفلسطينيات، بل تمت زيادة حكم الأسيرة ميرفت طه بعد إنجابها صغيرها وائل داخل المعتقل. ولسوء حظ الطفلين فإن والدتيهما تحتجزان في قسمين مختلفين من أقسام سجن النساء في الرملة، ما يحول دون نشوء علاقة طفولية بينهما هما في أمس الحاجة إليها، وتقول د . سامية حليلة: "بهذا يصبح الطفل خجولاً، غير قادر على ممارسة مهارات اجتماعية، كما ترتفع احتمالية أن يقوم بسلوك مغامر وخطر لاحقاً، وذلك ينتج عن ضعف الدافعية الذاتية للأم، والشعور بالشفقة والأسف على الطفل من الآخرين، والصدمة لكونه ولد في السجن".