يوم جميل كان جون ابدايك نجم مهرجان هاي اون واين، البلدة الويلزية الصغيرة التي استقبل سكانها ال1500 خلال المهرجان 78 ألف زائر. في البلدة مخبز واحد ومحلات لبيع اللحوم و39 مكتبة أدت الى تسميتها "بوكتاون". على ان المهرجان يضم الى الأنشطة الثقافية ندوات سياسية وعلمية وحفلات موسيقية. مدح الكاتب الأميركي الجيل الجديد من الكتّاب البريطانيين القادمين من المستعمرات السابقة الذين ينوعون الأصوات في المشهد الثقافي. منذ بضع سنوات ذعر الكتّاب البريطانيون من احتمال ترشُّح الكتّاب الأميركيين لجائزة بوكر وفوزهم بها دائماً، لكن لا حاجة بهم الى المعاناة من عقدة النقص وفق ابدايك. للكتّاب البريطانيين الحديثين وزنهم، قال، كايان ماكيوان الذي لا يستطيع كاتب أميركي طبع رواية مثيلة لروايته المذهلة "التكفير". قرأ كل كتب الكاتبة "الرائعة" مورييل سبارك، وهو معجب كبير بأيريس مردوك التي عامل النقاد بعض كتبها "بخشونة". أعجبته رواية "الجسد" للكاتب الآسيوي البريطاني منيف قريشي، وهو لا يعتقد بأن الكتّاب الأميركيين سيسيطرون على جائزة بوكر اذا رُشِّحوا لها. في أي حال، الجوائز الأدبية كثيرة في أميركا ولا حاجة بكتّابها للترشح الى جوائز بريطانيا أيضاً. ابدايك من أنصار الحزب الديموقراطي لكنه أيد الحرب على العراق وتورط بلاده في فييتنام. يعتقد بأن "علينا ترك الرجال الذين ننتخبهم يقومون بالمهمة، وهم يؤدونها بأفضل ما يستطيعون وسط المشكلات التي يواجهونها. مستعد ان أمنح فائدة الشك حتى لريتشارد نيكسون ما قد يكون أمراً غريباً، لكن يصعب علي جداً الاعتقاد بأن قوادنا أشرار سواء في الديموقراطية الأميركية أو تلك البريطانية". وعن العراق: "لست أكيداً ان الوضع هناك خطأ رهيب لكن على جورج بوش، مهما كان رأيه، ان يعود الى تكساس ويترك غيره يقوم بالمهمة اذا أنجزوها في شكل أفضل. ليس الوقت الملائم لتأسيس امبراطورية والتحكم بمصائر البلدان الأخرى". يداوم على الذهاب الى الكنيسة، ويرى ان الايمان موقف فكري أكثر إثارة للاهتمام من عدمه، وأنه يزوده برشاقة عقلية. كان الموت فكرة رهيبة عندما كان شاباً لكنه لم يعد مخيفاً اليوم. يحس بالقلق الرابعة فجراً خصوصاً أيام الآحاد، وتبدو الحياة من دون دين بلا أبعاد. قبل طبع الجزء الثاني من رباعيته "يا ارنب، اركض" طلب من دار النشر الاستعانة بمحامٍ للتأكد من عدم تجاوز المشاهد الجنسية القانونية. عندما حدد موعد اجتماعه مع المحامي في نهاية الأسبوع طلب تغيير الموعد لأنه كان يلقي دروساً دينية أيام الآحاد. أغزر الكتّاب الأميركيين يرى ان "وظيفة اهنن العثور على الجمال في العادي. علينا ايجاد سبل لجعل الناس العاديين والاشياء اليومية مثير للاهتمام. احد مباهج الرواية اكتشاف الكاتب انه يستطيع ابتكار شخصية والنظر من خلالها كأنه شخص آخر. نكتب لنهرب من أنفسنا، وهذه هي الحرية الغريبة لعالم الورق. تكتب وتفترض فيصبح كل ذلك حقيقياً". استراحة الكاتب ... كتاب صدرت رواية Pnin لفلاديمير نابوكوف عن "افريمانز لايبراري" في بريطانيا، وفي مقدمتها يقول ديفيد لودج انها بدأت قصة قصيرة كتبها المهاجر الروسي قبيل انتهائه من تأليف "لوليتا". كان اخذ فرصة من جامعة كورنيل حيث علّم الأدب الروسي والمقارن، وكتب "بنين" الهزلية ليرتاح من مناخ الهوس القاتم في "لوليتا". ألحقها بقصص أخرى عن البروفسور الروسي المهاجر الذي استوحى شخصيته من زميل له ونشرها مستقلة في "ذا نيويوركر" فوفّر لأسرته الصغيرة دخلاً ريثما عثر على ناشر ل"لوليتا" التي تناولت هيام رجل في متوسط العمر بفتاة في الثانية عشرة. كان بنين شخصية جديدة قال نابوكوف انه لم يظهر ما يماثلها في الأدب من قبل. بحث بنين المحبط عن وطن لم يجده، وكان انساناً نقياً، وعاشقاً وصديقاً مخلصاً لكن عجزه عن تعلم اللغة حدّه وجعله مضحكاً للمثقف العادي. كان بنين يهودياً ذا ساقين نحيلتين، ضعيفتين أشبه بسيقان النساء، ومنحه حزنه على موت حبيبته ميرا المأسوي رفعة لم توفرها اي من مزاياه. بنى نابوكوف شخصية بنين بالاستناد الى زميله المؤرخ الروسي مارك شفتل وأضاف اليها بعض عيوبه وسماته هو. عانى من الشرود، ودخل يوماً صفاً غير صفه الى ان انقذه احد طلابه. تخلص من الحرج بلباقة: "شاهدتم مشاهد من العرض المقبل لمادة الأدب الرقم 325. اذا كان الأمر يهمكم تسجلوا في الفصل المقبل". بطّن الحزن والحس بالخسارة الظاهر الهزلي ل"بنين"، فنابوكوف كان مثل شخصيته مهجراً يحن الى وطنه ويكره الشيوعيين الذين حرموه كل شيء. كان يمكن ان يكون هو بنين لو لم يتقن الانكليزية ويحظى بمساعدة زوجته وقدرته الأدبية. كان العمل الذي بدأ في 1953 من الروايات الجامعية الباكرة التي قد تكون بدأت ب"بساتين المعهد" لماري مكارثي في 1952، وتلتها "صور من مؤسسة" لراندل جاريل في 1954. يبدو الحرم الجامعي في هذه الروايات بيئة رعوية وعالماً صغيراً بعيداً من صخب الحياة المدينية المعاصرة، تعالج فيه القضايا الاخلاقية الجادة بخفة ومرح. الرواية التي نشرت في 1957 وضعت نابوكوف أيضاً بين أوائل الكتّاب ما بعد الحديثين الذين صنعوا شكلاً أدبياً جديداً يختلف عن الواقعية الاجتماعية للقرن التاسع عشر وحداثة مارسيل بروست وجيمس جويس في آن. جمع هذا الشكل بين رواية الشخصية ورواية الجامعة والقصة القصيرة ومحاكاة الحياة بأسلوب قصصي. ولأن "بنين" نشرت بعد صدور "لوليتا" في باريس في 1955 استفادت من الضجة التي رافقت القصة الأدبية "الخلاعية". اختار الكاتب الانكليزي غراهام غرين "لوليتا" بين أفضل كتب ذلك العام، فلفت النظر اليها وبدأ نقاشاً علمياً حول أخلاقياتها لم يزل مستمراً. وفرت الضجة ل"بنين" تغطية اعلامية واسعة، وأعيد طبعها مرتين في الاسبوعين اللذين تليا صدورها. برهنت ان نابوكوف ليس كاتباً جنسياً بل مؤلف مميز يتمتع بالابتكار والخيال والقدرة الفنية الفائقة على رغم الشكوى المحقة للبعض من انها مجموعة اسكتشات وليست رواية. تاريخ طويل يروي الكاتب الصيني المنشق ما جيان في رواية "طابخ النودل" المترجمة الى الانكليزية عن دار شاتو قصصاً "لها ظلها في أشخاص حقيقيين راقبتهم، ومع ان الشخصيات تبدو مبالغاً بها تبقى حقيقة الحياة في الصين أكثر عبثية من صورتها في كتاب". كان جده ملاكماً وذواقة شاي، وعندما اعتقل في أول الثورة الثقافية بدا منطقياً حرمانه من الشرب حتى الموت. كان جيان في الرابعة عشرة يومذاك، ونشأ في ظل الخوف والقمع الذي طاول العائلة وبقي قريباً. في الخمسين، اليوم، ويعيش في لندن مع شريكته ومترجمته فلورا درو التي التقاها عندما كانت تحقق فيلماً وثائقياً عن الصين قبل استعادتها هونغ كونغ. نظم جيان احتجاجاً ضد تسليمها الى بلاده، ثم تجول في المناطق النائية متنكراً بهيئات مختلفة لئلا تضبطه الشرطة. دوَّن ملاحظاته في "الغبار الأحمر" الذي نال جائزة توماس كوك لكتب السفر في 2002 وباع 50 ألف نسخة ولقي حماسة النقاد. "صدر الكتاب آخر الثمانينات التي كانت زمن الانفتاح والآمال المبرعمة وبحث الناس عن الجديد. ثم حدثت مجزرة ساحة تيانانمين عندما قتل الطلاب المتظاهرون في 1989 وكان "طابخ النودل" نتيجة دمار الآمال". الأمل ضئيل في الرواية التي تسطع فيها الصداقة والصمود والقدرة على الحب في مقابل جموح العدمية والضعف اللذين لا يحتملان. تختار ممثلة الانتحار على المسرح عندما ترمي نفسها أمام نمر يفترسها. ويترك رجل طفلته المعوقة بعيداً عن البيت لكي يستطيع انجاب ذكر، لكنها تحبط خطته وتعود. سياسة الطفل الواحد للأسرة الواحدة، يقول جيان، أدت الى تطورات لا تخطر على بال. تجهض النساء أجنة الاناث وتباع بالسر صنفاً فاخراً باهظاً. يعتبر غاو شينغجيان الفائز بنوبل الأدب ما جيان من أهم واجرأ الأصوات الأدبية في الصين، ويرى جيان ان على الكاتب التمرد على قمع حرية التعبير لأنه لا يستطيع غض النظر عن تاريخ الموت والعذاب في بلاده.